Atwasat

مرتزقة ماوراء الأخبار

نورالدين خليفة النمر الأحد 01 ديسمبر 2019, 11:22 صباحا
نورالدين خليفة النمر

تتصاعد وتيرة الضغوطات الأمريكية على روسيا في ليبيا بتحذير مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، من تسببها في زعزعة الاستقرار داخل ليبيا، كاشفا لأوّل مرة بشكل صريح ومحدّد أن موسكو نشرت عسكريين نظاميين هناك بأعداد لافتة. ولطالما نفت روسيا صحة التصريحات التي جاءت سابقاً على لسان مسؤولين أميركيين، بشأن تدخلها اللافت في الصراع الليبي. ووصف ناطق الكرملين، اتهامات الخارجية الأميركية لموسكو، بأنها استندت على أخبار زائفة في إشارة إلى ماسرّبته وسائل الإعلام الأمريكية، من معلومات أمنية عن ضلوع شركة فاغنر المرتزقة في تأجيج المرحلة الأخيرة من حرب مُسمى الجيش الوطني على الحكومة الشرعية في طرابلس. هذا النفي لن يطفئ قلقاً متزايداً  لدى الولايات المتحدة من أن تتوغل روسيا بشركاتها المرتزقة في ليبيا الدولة النفطية البارزة في شمال أفريقيا.

الكاتب الليبي ـ إن وجد ـ الذي يكتب لنفسه ليفهم، عليه أن يتوّخى في متابعته للأخبار المتضاربة والتصريحات المؤكدة والمفندة والبيانات استثمار درايته التي خبرها من ديكارتيات الشكوكية المعرفية ووظّفها مثلي في مباحث ماوراء الطبيعة، وخبرته الإعلامية التي تمثّلها فيما عبر عنه الراديو الليبي الستيني باسم برنامجه اليومي «ماوراء الأخبار»، واحتكاكه ردحاً من عمره كما حالتي في مقاربة العقل السياسي الغربي الذي يُفكر ليفعل.

نقرأ في ماوراء أخبار المرتزقة أنه بعد القضاء على قيادة داعش وهو ماجرى في سوريا، يبدو أن مايهم واشنطن بخصوص النفط حتى السوري الذي لا أهمية تجارية له عدم سقوطه في أيدى  المرتزقة الروس حلفاء جيش النظام في دمشق. ففي فبراير2018، دمرت القوات الجوية الأميركية قافلة تابعة للحكومة تضم جنوداً سوريين ومرتزقة روساً حاولوا السيطرة على مصنع «كونوكو» للغاز في المناطق الكردية بدير الزور. بعدما تبيّن أن شركة «فاغنر» الروسية التي يعد مالكها من وكلاء الكرملين، لديها تعاقد مع الحكومة السورية لإعادة تأهيل حقول النفط، ومن المفترض مُقابل ذلك حصولها على حصة بقيمة 25 % من الإنتاج. لقد تمت الضربة الساحقة مباشرة بعد اتصال الضباط الأمريكيين في الموقع بنظرائهم الروس للاستفسار عما إذا كان هناك جنود يتبعونهم ضمن الرتل. وجاء رد الضباط الروس أنهم لا يقومون بأي عمليات عسكرية في المنطقة. وإزاء هذا التصرّف العسكري من الجانبين، لم يكن في مكنة موسكو  رغم اعترافها بسقوط عشرات القتلى والجرحى الروس إلا تأكيد نفيها أن تكون هناك أي قوة عسكرية روسية منظمة قامت، بما اُتهمت أمريكياَ به.

الذي سهّل للطرفين أمريكا وروسيا الخروج من المأزق دون تبعات سياسية هو مبدأ خصخصة الحرب الخارجية عبر الوكالات والمقاولات التي أضفت على نشاط المرتزقة مسحة النشاط أو المشروع الرأسمالي الخاص. وهو  أسلوب اتبعتاه في السنوات الأخيرة، أمريكا في آفغانستان والعراق، وروسيا في أوكرانيا وسوريا. وبالإضافة إلى توقي الغضب الشعبي العام، فإن هذا التصرّف يُبعد الذكريات عما  تكبدته الولايات المتحدة من خسائر بشرية ومادية فادحة في حرب فيتنام، وروسيا في حرب أفغانستان التي كلفت الاتحاد السوفياتي أحد عوامل نهايته.

الذي صاعد من وتيرة التحركات الدبلوماسية الأمريكية هو  تزامن إسقاط طائرة مسيرة إيطالية خلال أقل من 24 ساعة مع إسقاط طائرة «أفريكوم» التي أعلنت القيادة الأميركية في أفريقيا، فقدانها حسب التصريح الصادر عن المركز العسكري الأميركي في شتوتجارت الألمانية أثناء قيامها بتقييم الوضع الأمني ومراقبة نشاط المجموعات المتطرفة، وبأن الطائرة كانت تقوم بمهمتها في الأجواء الليبية بتنسيق كامل مع المسؤولين ويعني بذلك حكومة الوفاق. إلا أن ما أربك الأمور هو التصريح والاعتذار الذي صدر بعد الحادث عن  مسؤول في مسمى القيادة العامة للجيش الوطني بأنهم أخطأوا في التعرف على هوية الطائرة، واعتقدوا أنها طائرة تركية الصنع تستخدمها الجماعات المسلحة في طرابلس. وحض الأمريكيين على تنسيق عملياتهم في المناطق المحيطة بطرابلس معهم لتجنب وقوع حوادث مماثلة في المستقبل.

 هذا التصريح غير المسؤول من مسؤول عن مُسمى الجيش الوطني تحدث مع«نيويورك تايمز» دون الكشف عن هويته، لكونه غير مخول بذلك، من تبعاته أنه موضع روسيا، أو مرتزقتها في حادث إسقاط الطائرتين الإيطالية والأمريكية. حيث رجح التقرير الصحفي مستنداً على مصدر عسكري التكهنات بأن سقوطهما كان جراء التشويش عليهما الذي تمّ باستخدام نظام الاتصال الروسي المتطور«داتا لينكس». وشدّد على عدم إثبات استهدافهما من الأرض حيث تدور منذ 4 أبريل 2019 معارك الهجوم على طرابلس.

قبل قيام  الإدارات الأمريكية، المكلفة ببحث الموضوع مع روسيا لتدخلها عبر المرتزقة وإن لم تصرّح كدولة بانخراطها  منحازة إلى طرف ليبي دون الآخر، توجهت أولا لدولة الإمارات العربية المُعلنة عن نفسها داعماً ومموّلاً رئيسياً لقيادة مسمى الجيش الوطني. بعد ذلك توّجه وفد ضمّ في معيّته  نائب مستشار الأمن القومي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والنائب الأول لمساعد وزير الطاقة الأميركي للشؤون الدولية، ونائب مدير الاستراتيجية والمشاركة والبرامج في «أفريكوم». وبعد لقائهم بقيادة مُسمى الجيش الليبي أصدروا من جهتهم بياناً طالبوا فيه بتحديد الخطوات الواجب اتخاذها توصلاً إلى وقفٍ للأعمال القتالية. وفي المقابل لم يصدر عن مسمي قيادة الجيش، عبر ناطقها الذي تتصدر بياناته الحربية يوميا الفضائيات أي توضيح بخصوص وقف القتال، بل إن قناة موالية لقيادة الرجمة نشرت عن مصدر وصفته بالمطلع نفي الأخبار المتداولة عن أن الوفد الأمريكي الذي التقى بمُسمى قيادة الجيش الليبي قد طلب إيقاف العمليات العسكرية الدائرة في محاور القتال بطرابلس. ويعني النفي ضمناً لماعبرّوا به صراحة عن قلقهم البالغ من استغلال روسيا للنزاع على حساب الشعب الليبي. وأن تهمتهم بانضواء مرتزقة روس في القوّات التي تهاجم العاصمة طرابلس هو محض هراء تصدره بعض المنصات الإعلامية الموالية للتشكيلات المسلحة  لحكومة الوفاق.