Atwasat

وجع الحرب (3)

خديجة العمامي الأحد 24 نوفمبر 2019, 06:07 مساء
خديجة العمامي

القاتل الخفي، لاتراه العيون، ولكن يحول الأجسام إلى أشلاء متناثرة، فهو عصي على المواجهة ولكن يباغتك بغدره، إنه الألغام، ذلك القاتل الأعمى الذي لا يفرق بين كبير ولا صغير، بل يزيد من الفجيعة حينما يقطف أحلام الأطفال، ويرمي بها إلى الماضي السحيق.

فقصتنا اليوم هي واحدة من مسلسل ذلك الغدر والخسة، الذي يغتال زهور الحياة وهي في ريعانها، فبعد أن تحررت  بنغازي من الجماعات الإرهابية، وعم فرح الانتصار كل مناطق المدينة، وخصوصاً النازحين عن بيوتهم، معتقدين بأن عذاب النزوح قد انتهى، غير أن أعداء الحياة قرروا الانتقام، كونهم متأكدين من الهزيمة أمام قوات الجيش، فكانت بيوت الآمنين هدفا مشروعا لهم، فزرعوا فيها الألغام تعبيراً عن حقدهم الذي أعمى بصيرتهم.

إقرأ أيضَا: وجع الحرب (1)

قصتنا اليوم تترابط خيوطها وأبطالها هم: عبدالقادر، طالب في الصف الخامس الابتدائي، ومهند في الصف الثالث الابتدائي، ومعتز أصغرهم، والمكان هو عائلة البيجو بمنطقة القوارشة، والجريمة: ذنبهم الوحيد أنهم فرحو بالعودة إلى بيتهم الذي أُجبروا على تركه.

أما قصتهم فهي – كما حدثتني أمهم- كما يلي:
«بعد تحرير المنطقة جاء والدهم إلي البيت - الذي كان يحتاج إلي بعض الصيانة جراء الحرب عدة مرات- ولكن هذه المرة أصر الأطفال على الذهاب معه، وكانوا يستعجلون العودة لبيتهم ومنطقتهم، فالأب طلب أطفاله وحملهم معه، وبعد وصولهم للمنزل انشغل والدهم في تجهيزه، وخرج الأطفال الثلاثة مع أبناء عمهم إلى بيت عمهم القريب جداً من بيتهم.
وما هي إلا لحظات حتى سُمع دوي الانفجار في المنطقة، سقط على أثر ذلك الأطفال الثلاثة، وأصيب أحد أبناء عمهم».

الأم التي يصرخ الوجع في أعماقها ويكبل أنفاسها ويحول أيامها إلى فزع لا نهاية له، تنساب من حروفها عبارات القهر فتقول: «إن ابنى عبدالقادر كان يتمنى أن يكون دكتوراً ولكن إرادة الله - التي لا راد لها - كانت أقوى من تحقيق أمنيته».    

إقرأ أيضًا: وجع الحرب (2)

أما والدهم  الذي تحجرت دموعة، وأصبحت نظراته تبحث عن منقذ، عله ينزع الخوف المترسب في زوايا قلبه المنهك من سياط الموت المفاجئ، يقول: «بعد خروج أطفالي من بيتنا إلى بيت عمهم مع أبناء عمهم، فقد كانوا ستة أطفال مع بعضهم، حدث الانفجار في أقل من لمح البصر، أسرعت إلى موقع الانفجار، فوجدت أطفالي الثلاثة قتلى ملقين على الأرض».

كل شيء يفتقدهم ويبكي غيابهم الموجع، غرفة نومهم وقطتهم التي تبحث عنهم في كل زوايا البيت، وأرجوحتهم التي تداعبها الرياح، في انتظار من يعتليها منهم.

رحلوا وتركوا القهر يجلد قلب أمهم المكسور، والحسرة في قلب كل من عرف قصتهم.
ولن تندمل جراح الأهالي، كون حرب الألغام هي الأطول عبر تاريخ البشرية، وستظل أوجاع من فقدوا أحبتهم وشما لا تمحوه السنون.

رحم الله أطفال البيجو