Atwasat

حي كسارخيا وأطول ليلة عاشتها أثينا

عبد السلام الزغيبي الأحد 24 نوفمبر 2019, 01:30 مساء
عبد السلام الزغيبي

تلك الليلة الفارقة والفاصلة في التاريخ السياسي اليوناني المعاصر، شهدت أحداثها العصيبة شوارع أثينا وبالتحديد في محيط كلية الهندسة (بوليتخنيو)، التي أصبحت تعرف لاحقاً بأحداث كلية الهندسة، وهي الكلية الجامعية، التي تعني الكثير في التاريخ النضالي والسياسي اليوناني المعاصر، حيث شهدت انطلاق شرارة الانتفاضة الطلابية ضد النظام الديكتاتوري واقتحامها من قبل السلطات في يوم 17 نوفمبر من عام 1973.

تقع هذه الكلية الجامعية ضمن نطاق حي اكسارخيا الشهير في قلب العاصمة اليونانية أثينا (قرب ميدان أومونيا، وشارعي بانابيستميو، وباتيسيون). وهو الحي الذي يتصدر نشرات الأخبار في اليونان وخارجها، بسبب حوادث الشغب والعنف المتبادل بين المجموعات اليسارية المتطرفة التي اتخذته مركزا تنطلق منه في هجماتها المتكررة على حافلات الشرطة بالعبوات الحارقة فترد عليها بالقنابل المسيلة للدموع وتبدأ في ملاحقتها في أزقة الحي...

على المستوى الدولي كان القليلون فقط قد سمعوا عن هذا الحي الصاخب بالحياة والذي كان في يوم من الأيام ملتقي للمثقفين اليساريين. في شهر ديسمبر من عام 2008، أطلق رجال الشرطة النار على صبي يبلغ من العمر 15 عامًا ومعه أطلقوا عنان أحداث عنف وتخريب التقطتها كاميرات التلفزيون وبثت في جميع أنحاء العالم ليراها الجميع.

ويعتبر محيط الحي، قبلة ومكانا يتواجد فيه المهاجرون والطلاب ويونانيون من مختلف الطبقات الاقتصادية، وتوجد فيه ثلاث من أهم كليات الجامعة اليونانية، وهي الهندسة والحقوق والاقتصاد، وجماعات الفوضويين (الانارخيين) ومدمنو ومروجو المخدرات والمهمشون والبوهيميون والعاطلون عن العمل، وباعة السجائر المهربة والمتشردون، والكلاب الضالة وكل أنواع البشر، باستثناء الشرطة اليونانية، وهو ما يغري الشباب الصغير المتمرد على التجول بحرية في الحي.أما الشرطة فلا تجرؤ على دخول ساحة الحي إلا في مجموعات كبيرة، خشية تعرضها للهجوم من قبل الشباب اللاسلطوي. ولكن عند أطراف الحي تتواجد بشكل دائم ومكثف حافلات شرطة مكافحة الشغب، ومع ذلك تتعرض للهجمات مرة في الأسبوع على الأقل...

وحي كسارخيا هو مقر للعديد من منظمات حقوق الإنسان والجمعيات والمراكز التطوعية التي تنشط في مساعدة اللاجئين والمهاجرين، وتشكل ملاذا لمن انقطعت بهم السبل ولا يجدون مأوى أو سكنا..
وفي الحي العديد من المطابع والمكاتب ودور النشر التي تنشر نسبة كبيرة من الكتب الصادرة في اليونان، كما يسكنه العديد من الكتاب والشعراء والأدباء..
وأثناء تجوالك في الحي تلاحقك الملصقات والافيشات التي تدعو لمناقشات وندوات وحفلات موسيقية، وكذلك رسومات الجرافيتي وهو فن لن تجده بهذا الزخم في أي مكان آخر في المدينة، وهي رسومات تدعو للنضال والتحدي، ولهذا تحولت الساحة والحي إلى رمز للثورة والمعارضين والرافضين..

ورغم كل شئ يمكنك التجول سيراً على الأقدام بحرية وأمان داخل هذه المنطقة، والجلوس والتمتع بشرب قهوة أو تناول الطعام، أو شراء ما تحتاج من كتب وغيرها.. لكن عليك أن لا تنسى أن الحي يعيش دائما في حالة هدوء يسبق العاصفة، خاصة في مناسبات مثل ذكرى الانتفاضة الطلابية التي تصادف في 17 نوفمبر من كل عام وأدت الى سقوط النظام الديكتاتوري في اليونان، والذي يعرف هنا  بأسماء مثل «خوندا» وهي كلمة إيطالية تعني الحكم العسكري، أو «ديكتاتورية العقداء» حيث إن الذين قاموا بالانقلاب كانوا برتبة عقداء في الجيش اليوناني، كما تعرف بأسماء أخرى اعتبارية مثل الحقبة المظلمة ونحو ذلك.