Atwasat

كابوس انتهاك الخصوصية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 24 نوفمبر 2019, 11:37 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

تزداد القدرة على اختراق خصوصية الأفراد، عبر وسائط الاتصال والتواصل الحديثة، يوميا تقريبا، بحيث أخذ هامش الخصوصية المتاح للواحد منا يضيق شيئا فشيئا وقد يأتي وقت تمحي فيه هذه الخصوصية نهائيا إذا ما تطورت تكنولوجيا قراءة أفكار المرء ومشاعره عن بعد (وعلى أية حال ثمة تجارب في هذا المجال*).

فنحن الآن نعيش في "مجال رقمي"، إذا جاز التعبير، تترك فيه كل رسالة بريد إلكترونية، ورسالة فورية، ومكالمة هاتفية وسطر من الشفرة المكتوبة ونقرة فأرة إشارة رقمية**.

عبر هذا المسار تطورت القدرة على مراقبة الموظفين في أماكن العمل. فلم تعد هذه المراقبة، كما كانت في السابق، تجري من خلال بصر المسؤول وقدرته على الملاحظة. وإنما صارت تنفذ من خلال الأجهزة الإلكترونية التي تقوم بوظيفة جمع البيانات الرقمية عن أداء الموظف في الوقت الفعلي ومعالجتها بشكل مستمر، حتى خارج مكان العمل، وقد لا يكون له علم بذلك.

وإمكانيات المراقبة هذه لم يعد أمرها حكرا على أجهزة الدولة وجهات العمل، عامة أو خاصة، إذ صارت في متناول محركات البحث وبرامج التواصل الاجتماعي. بل تعدى الأمر ذلك بحيث أصبحت هذه الخاصية في مكنة "جيوش إلكترونية" لا تشكل مؤسسة بحد ذاتها وإنما تعمل لصالح جهات غير معلنة قد تكون منظمات سرية ذات أهداف من طبيعة غير مشروعة أو إرهابية (بغض النظر عن الخلفية الآيديولوجية أو الفكرية أو الدينية التي تستند إليها وتنطلق منها هذه المنظمات).

الأمَرُّ من ذلك وأكثر خطورة، أن مختلف حساباتنا على النت وهواتفنا صارت هدفا سهلا لهواة القرصنة والاختراق من الأفراد العاديين، بمن في ذلك القريبون منا. ويبدو أن النساء، سيدات وآنسات، أكثر اهتماما بهذا وأكثر قدرة من الرجال. فتقوم صديقة مقربة ما، أو عشيقة، أو خطيبة، أو زوجة باختراق حسابات وهواتف الشخص الهدف بحيث تصبح اتصالاته ورسائله، الصادرة والواردة، تحت الانكشاف الدائم، بكفاءة جهاز أمني. وإذا كان أمر الصديقة أو العشيقة أو الخطيبة ليس بتلك المكانة من الخطورة، فإنه في حالة الزوجة يصبح كابوسا مرعبا يقتضي التخلصَ منه.

* ينظر سلافوي جيجيك: عندما تصير أدمغتنا متصلة. الدوحة. ع 145 نوفمبر 2019

** ينظر إيفان مانوكا: رقمنة الموظف. الدوحة. ع 141 يوليو 2019.