Atwasat

روسيا ومرتزقة ليبيا

نورالدين خليفة النمر الأحد 24 نوفمبر 2019, 11:33 صباحا
نورالدين خليفة النمر

شهدت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية، وحكومة الوفاق تطوّراً لافتاً بدعوة واشنطن وفداً مثله وزيرا الخارجية والداخلية للمشاركة في أعمال المؤتمر الوزاري للدول الأعضاء في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش". وأانتهزت مناسبة الزيارة لعقد لقاءات وصفت مباحثاتها بالحوار الأمني بين وفد حكومة الوفاق، والجانب الأمريكي الذي مثلته وزارات كـ الخزانة الأميركية، حيث تناولت المباحثات معها تعزيز التعاون في مجال مكافحة غسل الأموال، وتجفيف منابع تمويل الإرهاب، والتدابير المتعلقة بمكافحة الجرائم الاقتصادية، بما في ذلك فرض عقوبات على مرتكبيها. أما اللقاءات مع الوكالات الحكومية الأخرى، التي تعمل في نطاق وزارة الخارجية الأمريكية، فقد أسفرت مباحثاتها عن بيانٍ يدعو مسمى الجيش الوطني الليبي إلى إنهاء هجومه على طرابلس، حتى يسهل التعاون مع حكومة الوفاق لمنع التدخل الأجنبي غير المبرّر، ودعم سيادة ليبيا وسلامة أراضيها في مواجهة محاولات روسيا ـ في تلميح للمرتزقة ـ ضد إرادة الشعب الليبي استغلالا للصراع الذي تسعى أمريكا لمعالجة القضايا الكامنة وراءه وتعزيز سلطة الدولة الشرعية.

في نهايات الحرب الباردة، إزاء توظيف الغرب الرأسمالي المكشوف للمرتزقة، أسند الاتحاد السوفياتي حتى عام 1990 الوكالة لتنفيذ مهمات دعم الأنظمة الأفريقية الموالية إلى الجيش الكوبي. وفي 13 فبراير عام 1988 أصدرت الأمم المتحدة اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة لحظر تجنيد المرتزقة واستخدامهم وتمويلهم وتدريبهم. وقد عبرّ هذا الأصدار عن إدانة المجتمع الدولي لأنشطة المرتزقة معتبرها متعارضة مع المبادئ الأساسية للقانون الدولي كـ : التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وخرق مبدأ استقلالها والإضرار بسلامتها الإقليمية، وعرقلة حق تقرير المصير للمجتمعات. وبعد فترة من نهاية حقبة الحرب الباردة، شهد العالم انبعاث قوات عسكرية خاصة في شكل مقاولات: كـ النتائج التنفيذية Executive و ساند لاين وإيجيس للخدمات الدفاعية وبلاك ووتر.

ولكن المرتزقة المبغوضين يعودون باسمهم القديم من منطقة الظل مجدداً ليحوزوا وضعاً مقلقاً في السياسة الدولية. فالتعريفات المصاغة في الاتفاقية لا تعد مشكلة أساسية والقانون الدولي الذي يحظر المرتزقة لا يمكن أن يتغلب على قدرتهم على تجاوزه هم أو بلدانهم التي تجنّدهم. فقد بعثت روسيا مجموعات من المرتزقة تدعى “ميرس” لـما سمته بـ “تحرير” شرق أوكرانيا في صراع ما زالت ذيوله متواصلة. كما أفادت تقارير أن شركة “ميرس” التي ينضوي تحت مسؤوليتها مقاتلون محترفون منبثة في أجزاء متفرّقة من العراق. والتجاوز نفسه تقوم به البلدان التي تستفيد من خدماتهم. فقد وظفت الإمارات العربية المتحدة مئات الأمريكيين اللاتينيين المرتزقة لمحاربة الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. وبعد سنوات من القتال ضد بوكو حرام، وظفت نيجيريا مرتزقة لمحاربة التنظيم وإنجاز سطوة الدولة.

حاولت روسيا وفيما يبدو أنها فشلت، إبرام عقودها على الطريقة الأمريكية ،لإدارة جديدة لحروبها وتدخلاّتها في النزاعات خارجها، كون هذا النمط من التعاقد هو الطريقة الملائمة لها كدولة محورية ترغب في تعزيز تطلعاتها الإمبريالية الجديدة، وإكساب قوة لمشروعها في الخارج. بينما المواطنون الروس الذين مازالت تسكن لاوعيهم هزيمة الاتحاد السوفياتي في أفغانستان منتصف ثمانينات القرن الـ 20. لايرغبون في بذل دمائهم مقابل مشروع دولتهم. بحكم وظيفتي في الإعلام، آخر متابعة لي لموضوع المرتزقة كانت عام 1989 لمغامرات المرتزق الفرنسي بوب دينار الأفريقية. ورغم صدور اتفاقية الأمم المتحدة المذكورة آنفاً التي تحظر تجنيد المرتزقة، إلا أن المغامر الفرنسي قام في سبتمبر 1995 بعملية عسكرية أخيرة أطاحت بالرئيس القمري. الذي جذب تذكار دينار إلى ذهني هو تواطؤ الدولة الفرنسية الذي شبهه المرتزق دينار بإضاءة المرور الصفراء فزودته بجوازات السفر وبالمال توطئة لتنفيذ مهامه وأخطرها الإطاحة بحكومات أفريقية. ما وصفته الوثيقة الأممية بتوّرط المرتزقة في الإطاحة بالحكومات أو العمل بصورة أخرى على تقويض النظام الدستوري للدول. هو نفس تواطؤ الدولة فيما تفعله روسيا تقريبا في ليبيا، ليس فقط عبر عملية مرتزقة فاغنر التي كشف عنها تقرير بلومبرغ بوصول تقريبا 300 مرتزق برئاسة يفغيني بريجوزين، المقرّب من الرئيس الروسي، إلى قاعدة أمامية في ليبيا لدعم قائد مُسمى الجيش الليبي، وإدارة حربه والذي تعثرت قواته في ضواحي العاصمة منذ أبريل 2019. بل تفاقمت مظاهر التوّرط فيما ذكرته صحيفة «ذي تليغراف» البريطانية بتزويد القوّات المهاجمة بالذخائر والقذائف والدبابات والطائرات المسيرة. والأخطر بث عناصر مرتبطة بالمخابرات العسكرية الروسية للعمل بإدارة الهجوم من قاعدة الرجمة في شرق ليبيا .
اللافت في البيان أن الطرف الأمريكي سمى بوضوح روسيا. ويبدو أن حكومة الوفاق التي تكتمت على أمر المرتزقة قطعت "شعرة معاوية" مع موسكو، وأن الوفد الليبي قدّم الدلائل البيّنة على أن الهجوم على طرابلس مهما تعلّل بلافتة محاربة الإرهاب، أو القضاء على الميليشات التي تهيمن على حكومة العاصمة، لايعدو أن يكون مغامرة من قوات الكرامة المكونة هي الأخرى من ميليشيات منها السلفية للإطاحة بحكومة الوفاق التي استمدت مشروعية الاعتراف بها من المجتمع الدولي بما فيه روسيا من اتفاق الصخيرات الذي تم تحت رعاية الأمم المتحدة، وساهمت فيه كل الأطراف الليبية، ومنها مجلس النواب الذي عيّن قائد مسمى الجيش، والذي رئيس مجلس رئاسة حكومة الوفاق عضؤ فيه، بل إن قيادة الجيش سمت ممثلاً لها في المجلس الرئاسي للحكومة التي استهدف هجوم 4 أبريل 2019 إسقاطها.