Atwasat

"مصطلح وهمى"!؟

صالح الحاراتي الإثنين 18 نوفمبر 2019, 11:58 صباحا
صالح الحاراتي

هناك مصطلح فضفاض ينتشر استخدامه كثيرا لدى فئة معينة وظنى يذهب إلى أنهم من أهل النخبة التي تؤمن بالفكر الشمولي والتي تحلم بالبطل والزعيم وما إلى ذلك.

إنه مصطلح "الكاريزما". ذلك المصطلح الذى يقال إنه يوناني الأصل ومشتق من كلمة نعمة، أو هبة إلهية تجعل المرء مُفضلاً لدى الناس.

وللمصطلح تأويلات كثيرة؛ يعرفها البعض بالهالة المحيطة بالشخص، والجاذبية الكبيرة والطاغية على الأتباع، في الوقت الذى يعترفون أنها قد تكون هالة وهمية ولكنها مؤثرة وتجعل للزعيم قدرة خارقة على احتواء الأتباع في الأبعاد العاطفية، بحيث يغيب الوعي النقدي الفردي والجمعي للأتباع المنصهرين تحت ظل ما يسمونه هالة الكاريزما بحيث تسود فى المجتمع قيم الطاعة والخنوع والاستكانة وقبول الأمر الواقع.

قد يتم التنظير للمصطلح بشكل محايد نسبيا فيقال إن الكاريزما تكون فطرية بنسبة 50% فقط، أما المتبقي فإن هذا الشخص يكتسبها من تجارب الحياة وظروف نشأته وثقافته.

أما فى حالة مجتمعنا، أكاد أجزم بأن الأمر ليس إلا تسويق الحنين إلى الزعيم القائد والبطل المنقذ الذي يتم التسويق له على مدار الساعة "إعلاميا وإعلانيا وفقهيا".

الملاحظ أن اللفظ كان من أبجديات زمن الستينيات وما قبلها، ولكنه لا زال يفعل فعله، تحت الضخ الإعلامي حيث يسود الحلم بوجود شخص يملك سمات خاصة ومواصفات خارقة، يكفي أن يقولوا فلان يملك "كاريزما" حتى تمضي حالة التدليس والوهم إلى منتهاها، ويترسخ فى النفوس أنه المخلص الذى يعيد الأمل ويحقق المأمول. كل ذلك بفعل ماكينة الدعاية السياسية وبيع "أوهام الزعامة" وتسويق "خرافات التفاني" التي يبذلها "الزعيم" لشعبه، وتضخيم إعلامي مصطنع يمجد إنجازات عادية أو شكلية.. وما ذلك بظني إلا مدخلا هاما لاستنبات الدكتاتورية.

يعتبر البعض أن "ماكس فيبر" أول من أعطى المصطلح صبغة سياسية عندما استخدمه للإشارة إلى القدرة التي يتمتع بها شخص ما للتأثير في الآخرين.

باعتقادى أن للأمر جانب من الحقيقة. فمثلا "الدايلاى لاما"و"غاندي" يملكان صفات شخصية آسرة، وربما كان مقبولا أن نقول عنهما أنهما شخصان لهما "كاريزما" خاصة وهما النموذج المسالم الهادىء؛ بينما التسويق يتم للنمودج الشعاراتى الشعبوي الذي يسلك طريق العنف والجعجعة والبروباجندا أشباه "هتلر وموسولينى" اللذين لهما تأثير على شعوبهم. ولكننا نعلم ماذا صنعوا بشعوبهم وأدى إلى نهاياتهم الكارثية.

النموذج الأول الهادىء والسلمي لم نتعود عليه فى منطقتنا ولا تتوارد على أذهاننا إلا مواصفات العنجهية والعنف.

رغم ما يشاع بأن هناك عدة "مقترحات" لتكتسب شخصية كاريزمية.. ولكني بالقطع لا أعتقد أن من ضمنها أن (يحمر عيونه) و( يخبط ع الطاولة ويرفع صوته بالصراخ) حتى يكون الشخص الذي يمكن أن يوصف بأن لديه "كاريزما".

على كل حال، التسويق لأي دكتاتور ليس بالأمر الجديد. فمعظم المجتمعات النامية ترتاح إلى خلق رمز وطوطم متوهمة أنه سيقوم نيابة عنها بتحمل المسؤولية، وهي تبحث عن مشجب تلقي عليه تبعات عجزها.

لقد ركزت الدعاية في العالم الثالث على خطاب سياسي يصنع من “الحكام” شخصيات ملهمة ومتفانية فى خدمة الوطن، والحقيقة أنه تدليس يتم في سياق إعلامي مصطنع يمجد الفرد ويرسخ الاستبداد. وفى نفس الوقت يقوم "الكاريزماوي" باستعراض القوة، ونشر الرعب في صفوف الناس، مدفوعا بجنون العظمة والتمركز حول الذات؛ كي يكون محور الاهتمام المحلي والعالمي، ويتصدر المشهد في جميع المناسبات.

الكاريزما مصطلح فاسد، وحقيقة الأمر أن الكثير من الأزمات كان محركها الأساسي ظهور قيادات سياسية تعاني من عقد نفسية، ونرجسية سلوكية، وشعور دائم بالنقص، والرغبة في تحقيق الذات بأي ثمن.

ويبقى الأهم في ظني، وما يجب تصحيحه هو تخلي الأتباع عن توصيفهم "القائد أو الزعيم" بأوصاف ربما فوق بشرية، وأنه لا يمكن لقائد تقليدي روتيني أن يحقق الكثير من النجاح ويكتسب الاحترام طالما أنه لم يحقق إنجازات حقيقية تخدم مصالح الناس، وطالما أن سلوكه وفكره لم يتمازج مع توجهات وقيم ومصالح مواطنيه.

لقد مررنا في العقود السابقة بالكثير من الشعارات والعبارات الوهمية ولعل توصيف الحاكم ذي "الكاريزما" أحدها وأكدت الأيام زيف كل ذلك.