Atwasat

سر السلطة السر!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 12 نوفمبر 2019, 03:16 مساء
أحمد الفيتوري

• روليت القذافي
كنا أيام القذافي، كثيرا ما نعتبر، أن للبلاد نفس الوجوه، وأن الديكتاتور يجول في الرقعة، مغيرا موقع وجه أو آخر، من مكان لآخر ليس إلا، أي نفس الوجوه الكالحة!، كما علق الكثير من الليبيين حينها، فلا شيء يحدث ولا أحد يجيء، حسبما قولة، أب مسرح العبث، صموئيل بيكيت.

لأربعين حولا خلون ويزيد، الديكتاتور يعبث بسلطة مطلقة، مطلقة العبث، كما لعبة روليت روسي، الكاسب فيها خاسر، فاللعبة تراهن على الزمن، أي السر، في أن تبقي الأمور، على ما هي عليه، حتى يقف الروليت حيث يقف؟ فالسلطة السر: معمر القذافي المدقع الفقر، من عائلة دون أي حيثية معلومة، مما جعل نسبه غامضا وملتبسا، الشاب في العقد الثالث، الملازم أول، المحدود الإمكانيات العقلية، المحاط بغبار الحياة من كل جهة، ابن الصحاري، فالسراب والعجاج فالعدم، مولود وادي جهنم! أو كما قال، الشاب الضابط الملازم، في بلاد لا جيش لها، مملكة النفط، إمبراطورية الرمال، غدا الإمبراطور.

وقبل لما تمكن الأمير، الكهل إدريس السنوسي، من تأسيس مملكته الليبية المتحدة، كانت جارته، الكبرى المملكة المصرية، قد سقطت على يد العسكر، بقيادة المقدم ناصر، أما بقية الجوار الجنب، فتديرها دول الاستعمار الإنجليزي والفرنسي، لما استقلت تلكم الدول، كان حكامها المحليون، الحكام المطلقي السلطة.

الملك العجوز إدريس، عاجلا غرقت بلاده في برميل بترول، هذه الثروة عرت البلاد، فكانت خاوية على عروشها، العلاج جاءها وقد وهنت عظام السلطة، السلطة السر فعلت فعلها، فقلبت الأمور على بكرة أبيها، ليبيا حولت من حاكم عجوز حكيم متأنٍ، إلى حاكم في رعونة الشباب وطيشه. ومن عجائب ليبيا، ما سمى القذافي، نهرها الاصطناعي بالأعجوبة الثامنة، أن العقيد معمر القذافي، حكمها لما يقارب نصف قرن، كما دولة الفوضى، حتى أن اسمها فعلمها، تغيرا مع مزاج العقيد أكثر من مرة..... وهلم، غير أن العجيب القبل، أن البلاد عهد المملكة 1952- 1969م، تغيرت وجوه السلطة فيها كثيرا، فترأس الوزراء رجال عشرة، فيما ذات البلاد صال وجال، العقيد في رقعتها، بذات الوجوه لنصف قرن تقريبا.

حينما أسقطت الديكتاتور الهرم، ثورة فبراير2011م، هوت قلعته الرملية، وذهبت ريحه، فقد ثبت للعيان، أن القذافي بنى لادولة، ما نظر لها وزمرته كثيرا، وأن ما أحاطه من وجوه، قد بادت من كثرة الاستخدام العبثي، فاللاجدوى، الشعور الذي نخر نفس (القائد المفكر والمعلم الثائر!)، لذا حين توقف الروليت، تكشف أن سر سلطته، تبديد للزمن ليس إلا.
• ما بعد القذافي
العجيبة الأخرى، أن حالة الجمود، ما حرص عليها القذافي، فيما يخص وجوه سلطته، كما داء عضال، أصاب البلاد في مكمن، حيث إن ما بعد القذافي، منذ فبراير 2011م، تعيد نفس الوجوه، التواجد في كل مكان ومحفل، وكما تعيد نفس الوجوه، الجوال في الرقعة، تعاود نفس الأفعال وحتى الكلام، ما صار كما مضغ ماء، بحيث إن ما يحدث لا يحدث، وحيث الحلَ اللاحلّ، وفي هذا المضمار، ذكر لي صديق: أن البلاد منقسمة، بين مليشيات مسلحة، وبين مليشيات كلام!، وهكذا يكون اللت والعجن، في قضايا ومسائل مكررة، ولا طائل ولا جدوى من إثارتها، غير مضيعة الجهد والوقت والمال، كمسألة (خطاب الكراهية)، فـ (المصالحة الوطنية).... وما في حكمها.

هؤلاء الوجوه المكرسة، يحاربون آثار الحرب، وهم يعيشون الحرب، بل منهم من يمارس الحرب، وبالتالي المسألة الرئيسة متروكة جانبا، فيما نغرق في تفاصيلها، وهذا لا يعني، أن ما لايطال كله يترك كله، لكن (ميلشيات الكلام)، كما (مليشيات الحرب)، تموت من أجل صالحها، والتي هي نفس الوجوه، منذ أمد ليس بالقصير، تلوك وتعجن نفس الخطاب، ما يغوص ويغرق في التفاصيل، والعناوين التي وضعت له، حدث ذلك منذ، ما يكاد يطال العقد، من الزمن المفتوح على أفق مغلق، حتى نصير كالحمار يحمل أسفاره.

العجيبة الأهم، أن المكرس الرئيس، لحالة الحلّ اللا حلّ، ووجوهها المحلية، الضلع الدولي، لمثلث الحرب الأهلية، ذا الضلع يزود، كل أزمة كالأزمة الليبية، بالأكسجين ما يطيل مداها، وما المؤتمرات الدولية والقرارات الدولية، إلا المكرس الرئيس لما يحدث من (أفغانستان) حتى (ليبيستان)، والأمم المتحدة تقوم بإكمال المهمة، عبر مبعوثها والمؤسسات التابعة له، فتنتج مسكنات كما أسبرين لحالة سرطانية، من خلال رفع شعار: ما لا يطال كله، لا يترك كله، الدخان الذي يعمي العيون، عن أن هذه المؤسسات الدولية، تحقق عبر موظفيها الحُذاق، توكيد أنه ليس بالإمكان أبدع مما كان...

عقد تقريبا مرّ، بذات الوجوه، الفساد، الخراب المزدهر، وثورات الربيع في موجته الثانية، ما شعارها المستعاد: الشعب يريد إسقاط السلطة، لكن شعارها الثاني من الجزائر حتى العراق مرورا بالسودان فلبنان: كلهم يعني كلهم، وأما إلى ذلك، فكل بما استطاع إليه سبيلا، وفي هذا العراق كما الجزائر تعاد الكرة، ودرسهم المستفاد أن الحياة: تستحق صبغ الوضوء.