Atwasat

وجع الحرب (1)

خديجة العمامي الأربعاء 06 نوفمبر 2019, 01:41 مساء
خديجة العمامي


هل سيقبلني المجتمع ويقبل أولادي؟
بهذه الكلمات نبدأ قصتنا اليوم، التي تحكي قصة امرأة أقحمتها الظروف للتظلل فترة من الزمان، تحت ظل فكر دخيل علينا، تحت وقع الفقر المدقع مضت بطريقه دون أن تعلم ماهو، أو ما العواقب التي تنتظرها.

هذه القصص التي نوردها مشبعة بأوجاع خلفتها الحرب.. لعل أكثرها تعقيداً تلك التي حملت مفهوم الفكر الدخيل على البلاد.. أما الفئة  الأكثر حساسية في الموضوع فهي فئة النساء والأطفال التابعين لتلك الجماعات، التي أغلبها قتل في ساحات المعارك أو قبض عليه، ويقبع في سجون الدولة إلي حين ملاقاة مصيره.

كثير من نساء هذه الجماعات يرفضن الحديث، ويبتعدن عن وسائل الإعلام، الأمر الذي يجعل من وضعهن أكثر تعقيداً، فبين تلك النساء، نساء حاملات للفكر ونساء غير حاملات له، ولهن أسباب في وجودهن في هذا الطرف الذي يعتبره العالم الآن طرفا إرهابيا... الأمر الذي يضع كل نساء تلك الجماعات في سلة واحدة، والنظر إليهن كجانيات لا مجنيا عليهن.

حديث اليوم عن امرأة ليبية متزوجة، ولديها بنت وولدان، تعاني من نبذ المحيط لها بسبب انخراط زوجها في تلك الجماعات، وحتى بعد مقتله تلاحقها نظرات النقمة عليها وعلى أبنائها.

لن أعطي تفاصيل شخصية عن هذه المرأة، التي تحدثت لي بحرقة وخوف من القادم، وكوني وعدتها هي ومن التقيت معهن، بعدم الكشف عن أسمائهن عند كتابة قصصهن، فالهدف من نقل قصصهن هو العبرة.

تقول: إن  زوجي كان عاطلا عن العمل، غير أنه يعمل على باب الله في سوق (جنيهن) وكان دخله لا يفي حتي بقوت اليوم الواحد، كما أنه لا يقوم بأي واجب ديني غير الصوم في رمضان فقط.
وكان في بعض الأحيان (يتعاطى الخمر) وكنت عندما أعاتبه، وأقول له: بأن أولادك أحق بثمن هذه الزجاجة اللعينة، يرد عليَ بالقول: هذه (وديدة) مش بفلوس.

بعد فبراير انضم زوجي إلي الكتائب المسلحة، وأصبح يتنقل بين تلك الجماعات، إلى أن استقر به الحال مع جماعة أنصار الشريعة، والحق أقول: فقد كنت سعيدة بتغير وضعنا المالي، فقد أصبح زوجي يتقاضى مرتبا شهريا، غير أن تغير وضعنا المادي أدى إلي  تغير زوجي في شكله وأسلوبه، فقد تحول إلي شيخ دين، وفرض عليا أنا وابنته لبس الخمار، وأطال لحيته وقصر ثوبه، وأنا لم أظهر أي اعتراض على هذا، وكوني محدودة العلم كنت أرى أن هذا هو الدين، وطاعة زوجي من طاعة الله.

فرض زوجي على بنتنا الزواج من رجل لا نعرفه، ولكن كان يقول عنه: إنه (صاحب دين) واتضح فيما بعد أنه أحد عناصر جماعة أنصار الشريعة.

ابنتي لم تكن راضية على كل هذا التحول، غير أنها لا حيلة لها، فقد أصبحت زوجة لرجل فرض عليها، ولديها طفل.

بدأت الحرب وأصبحناً برفقة زوجي وزوج بنتي، نتنقل معهم من منطقة إلى منطقة، فكلما دخل الجيش إلى منطقة نقلنا إلى مناطق أخرى.

انقطع اتصالي بأهلي منذ فترة طويلة بسبب اختلاف التوجه، وبعد انتصارات الجيش المتكررة بدأ الإحساس بالتورط يجتاح أعماقي، ولكن التراجع أصبح ضربا من المستحيل.

قاتل زوجي بشراسة ضد الجيش، وكان يصف أخي بالمرتد، ويهدد أنه لو قابله سيقتله، كون أخي عسكريا، وكان ينتقد زوجي وأفعاله وانتماءه للجماعات المسلحة.

قتل زوجي، ودخل الجيش إلى المنطقة التي كانت آخر معاقل أنصار الشريعة بمدينة بنغازي.
وسلمت نفسي أنا وأبنائي الذكور لقوات الجيش  بهدوء، بينما هرب زوج بنتي ببنتي وطفلها إلي المنطقة الغربية، وأشرف جهاز الأمن الداخلي على تسليمي إلى أهلي.

لا أنكرك القول - رغم تلك التجربة القاسية وفراق ابنتي التي لا أعلم ماذا حل بها-  إلا أني كنت سعيدة بالعودة إلى أهلي، غير أن سعادتي لم تكتمل، فقد صدمت بالواقع الذي اشمئز مني ومن أبنائي حتى هذه اللحظة.

ما أريد أن أقوله: إن البطالة والحاجة هي التي دفعت بزوجي إلي أحضان التطرف، فليس كل شخص قادرا على التحمل والصبر.

ما ذنب ابنتي التي كانت رافضة، هل سيقبلها المجتمع- إن كتب الله لها الحياة- بنفس ما قبلني؟ وما مصير أبنائها.

لقد اتبعت زوجي بعدم إدراك، ولكن لست داعشية الفكر، أنا وابنتي ضحية، لا نريد شيئا، ولكن نريد أن نعيش في سلام، خصوصاً بعد أن ثبت قانونا بأننا لم نرتكب شيئا، أما زوجي فقد نال عقابه وهو بين يدي الخالق.
 
حديثي معهن أورد على ذهني العديد من الأسئلة:
هل هناك منظمات أو جمعيات مدنية محلية تحت رعاية قانونية عملت من أجل إعادة تأهيل هاته النساء ودمجهن في المجتمع؟
هل وضعت خطة عمل من أجل احتواء أبنائهن وإعادة تعريفهم  بالإسلام الوسطي للبلاد؟
هل وفرت الدولة دخلا لحمايتهن من الانخراط مجدداً في أعمال متطرفة؟
أسئلة طبيعية ترد إلى ذهني، ولكن السؤال الأهم هل وردت على ذهن المعنيين بذلك؟ ننتظر الإجابة.