Atwasat

أزمة الهوية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 03 نوفمبر 2019, 12:27 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

لا يعاد النظر في ما يبدو مسلمات، إلا حينما تواجه هذه المسلمة أو تلك أزمة تزعزع أركانها واليقين بها. من هذه المسلمات مسلمة هوية شعب ما. فكما يقول كوبينا ميرسر "لا تصبح الهوية مسألة مثار نقاش إلا حين تواجه أزمة، حين ينزاح ما نفترض ثباته واتساقه واستقراره بسبب ما يتعرض له من شكوك وعوز إلى اليقين" (أورده سالم العوكلي عتبة لدراسته: جدل الثقافة والهوية في ليبيا. ص 5 من كتاب: الهوية الليبية...).

وفي الحالة الليبية أصبح "موضوع الهوية والوحدة الوطنية في ليبيا... من المواضيع المهمة والملحة، في الظروف الراهنة" (عبد الله إبراهيم. الدور التاريخي لتعزيز الهوية والوحدة الوطنية (1911- 1969) (ص 90 من كتاب: الهوية الليبية...) وتكمن أهمية إعادة تفحص وتبين، وحتى بناء وبلورة، عناصر الهوية الوطنية الليبية أهميتها القاعدية والملحة هذه لدورها في اكتشاف وتحديد "سبل المصالحة والتعايش والتفاهم بين مكونات النسيج الاجتماعي في البلاد" (ن. ص).

شاغل الهوية هذا كان وراء ظهور كتاب "الهوية الليبية: الأبعاد والمقومات، مقاربة متعددة التخصصات"* الصادر عن مركز دراسات القانون والمجتمع- جامعة بنغازي. ومؤسسة فان فولينهوفن للقانون والحوكمة والمجتمع- جامعة ليدن (بدعم من سفارة المملكة الهولندية في ليبيا).

يحتوي الكتاب تسع دراسات في اختصصات متعددة، ثقافية واجتماعية وتاريخية ودينية وتربوية وجغرافية، وهي دراسات متعمقة ورصينة، وهذا لا يمنع بالطبع أن تكون متحلية بعاطفة وطنية ومدفوعة بها، لأنها ليست مكتوبة بدوافع معرفية وعلمية، فقط، وإنما بباعث حماس وطني يسعى إلى سلامة الوطن (سلامة الشعب الليبي) والإسهام في إيجاد منفذ لخروجه من أزمته الحالية الشائكة والمتفاقمة.

ما لفت انتباهي هو غياب دراسة نظرية تناقش مفهوم الهوية وإشكالياته الفلسفية وتاريخيته، وظهور مصطلح ومفهوم الهوية الوطنية وتبلورهما التاريخي. صحيح أن موضوع الهوية إجمالا، وكذلك موضوع الهوية الوطنية، من المواضيع الشائكة والمعقدة، ويواجه الباحث فيهما صعوبة في القبض المعرفي والعلمي عليهما. إلا أن هذا أدعى إلى وجود دراسة تأصيلية في هذا الميدان لكتاب متكامل كهذا. . فهل الهوية، مثلا، معطى ثابت، أم هي متحركة، وإن ببطء بالغ غير ملحوظ على المستوى التزامني ((synchronic مثل عقرب الساعة، في الساعات التقليدية ذات العقارب، الذي يبدو ساكنا، ولكن بعد فترة تجده قد انتقل من مكانه. وأحيانا، يحدث انقلاب عنيف في هذه الهوية بحيث تتبدل عناصرها كما هو الشأن في الثورات الاجتماعية- السياسية، أو الاجتماعية الدينية.

لفت انتباهي أيضا، أنه عند الكلام على الحالة الدينية، يأتي ذكر السلفية. وهذا يشكل، في رأيي، تعمية على القاريء غير الملم. من المعلوم أن مد ما يسمى السلفية علا في ليبيا منذ الثمانينيات، وكانوا يعرفون أيضا بـ "السنة". وطبعا لايوجد اعتراض لدى الغالبية الساحقة من الليبيين على "السلف الصالح" ولا على السنة. لكن الاسم الحقيقي للتيار هو "الوهابية" القادمة من السعودية. وهنا يصبح المواطن أمام "مذهب" جديد يزاحم المذهبين القائمين في ليبيا، وهما المالكية والإباضية، ويعرف أن هذا المذهب الجديد الوافد (كي لا أقول: الدخيل) يستهدف تغيير ملامح الهوية الدينية للشعب الليبي. أعتقد أنه كان من متطلبات الموضوعية الإشارة إلى المذهب باسمه الحقيقي هذا، وليس وضعه ضمن إطار واسع يختلط فيه بمذاهب أخرى.

لاحظت في الكتيب المصاحب المعنون "دور القانون في المصالحة الوطنية في ليبيا: الهوية الوطنية" الصادر عن نفس الجهة، أنه عندما قاد سياق الحديث في "المحور السياسي" إلى اتفاق "الصخيرات" اكتفي بالإشارة إليه على أنه "اتفاق سياسي". أي دون اسمه المشهور به، وهو "اتفاق الصخيرات" (ص 20 وأيضا ص 25من الكتيب)، على حين تمت الإشارة إلى لقاء "الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور" في مدينة "صلالة" بهذا الاسم!.

ختاما، هذا عمل مهم وغير مسبوق في الحراك الثقافي الوطني الليبي، نحن في مسيس الحاجة إليه في الوضع الراهن، قاده العلم والمعرفة والموضوعية، وكانت قوته الدافعة الروح الوطنية المخلصة.


* ينظر مقالنا "دفاعا عن الحياة السوية" ببوابة الوسط:
http://alwasat.ly/news/opinions/262025?author=1