Atwasat

تجارة الحروب وبرلين!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 29 أكتوبر 2019, 01:56 مساء
أحمد الفيتوري

 

1-
ولدتُ غب الحرب الكبرى الثانية، فكانت حرب السويس 1956م، واحتلال الاتحاد السوفياتي للمجر عقب ثورة بودابست، ثم حرب الجزائر، وغب الثورة حربها مع المغرب!، فالحرب الأهلية النيجرية (إقليم بيافرا)، ثم حروب شرق آسيا، ما أشهرها حرب الولايات المتحدة مع فيتنام، فحروب الدول الأفريقية، ضد الدولة المستعمرة، البرتغال، وبلجيكا، وطبعاً، بريطانيا، وفرنسا، والحروب العربية، ضد الدولة الصهيونية، العامين 1967و 1973م، وغيرها من السنوات، فالحرب الأهلية اليمنية، واللبنانية، فالأيرلندية، والباسك في إسبانيا، وما لا حصر لها في ميريكا اللاتينية، ثم في دول الاتحاد السوفياتي، والاتحاد اليوغسلافي، عقب سقوط سور برلين.
منذ عرفتُ، الراديو، الصحف، التلفزيون، الخبر الأول «الحرب»، والكثير مما شاهدت في السينما، وقرأت في الآداب، يدور حول الحرب، منذ حرب البسوس، حتى حرب طروادة، إلى الحربين الكبيرتين الأوربيتين، حتى يمكنني أن أختزل العمر، في مفردة الحرب، أما السلام، فكان كما الحلم أو الأمنية. وخلال هذا العمر، كثيراً ما مسني من الحرب مس ما، كأن ينفجر لغم من بقايا الحروب الأوروبية في بلادي في أحد الجيران الفقراء، من منهم يتاجر في مخلفات الحرب أو يحاول الحصول على (الجلاطينا) الديناميت لغرض صيد الأسماك، وكان بجانب بيتنا، في حي الصابري، مخزن ضخم لمخلفات تلكم الحرب، التي تبادل جيوشها مدينتي بنغازي أكثر من مرة، مرة يدخلها الحلفاء (بريطانيا وفرنسا وأميركا وروسيا)، مرة يستردها المحور(إيطاليا وألمانيا واليابان)، ولقد كانت ليبيا بحكم الجغرافيا، ساحة مميزة لتلك الحروب، خاصة مدينتي بنغازي وطبرق، من ذاقتا الويلات.
عشت آثار الحرب دون أن يكون لي فيها لا ناقة ولا جمل، حتى العام 1969م وانقلاب سبتمبر على المملكة المسالمة، حيث قائد الانقلاب الملازم معمر القذافي هويته الحرب لذا خاضها على الحدود مع مصر وتشاد، ثم دس يده في مغامرة عسكرية، في تونس والسودان، وشارك في حرب في أوغندا ولبنان ونيكاراغوا... وهلم، حيث قتل وجرح وأُسر ليبيون تقريباً في قارات العالم، فالعقيد معمر القذافي، اعتبر ليبيا مثابة عالمية لتحرير العالم وأنه القائد الأممي ولا أحد حتى الآن يعرف عدد الأرواح الليبية التي أُزهقت في حروبه، ولا عدد المفقودين من الشعب المسلح ما خاض به حروبه ما كللت بهزائم، أشهرها حروبه في تشاد.
2-
خرج الشعب الليبي، على أثر هذه الحروب المتسلسلة، كما شعوب المنطقة بين 2011 و2019م، يهتف: «الشعب يريد إسقاط النظام»، فأدخله رأس النظام في حروب، بدأت منذ الوهلة الأولى ما لم تنتهِ حتى الساعة، فقد واجه الزعيم الثوري الشعب المتظاهر سلمياً، والأعزل بكل سلاح لديه، بهذا قسم البلاد والشعب منذها، وأدخل المجتمع الدولي والإقليمي، في المسألة الليبية، حين خاض حرباً ضروساً، ضد المتظاهرين السلميين.
ليبيا غدت بذلك بر حرب، وكما جعل العقيد القذافي منها مخزن أسلحة من حيث أمكنه شراؤها، فإن تجارة الحرب الرائجة وتجارها الشطار الحذاق، جعلوا من البلاد تسير في نفس المنوال، الزبون الثري الدائم لبضاعتهم وجعلوا من الأرض الليبية، كما بقية دول المنطقة، التي تخوض حرباً مماثلة، ساحة ومعملاً لتجريب، ما ينتجون من أسلحة ومن وسائل دمار وأجهزة أمنية مستحدثة، وكان أشيع أن ليبيا، زمن القذافي وبالاتفاق معه، قد تحولت كأرض، لتجريب صواريخ ألمانية وما في حكمها.
ليبيا بهذا باتت، محل الحرب المفضل، كمكان للبيع، للتجريب، وكل هذا مدفوع الثمن، من البنك الوطني الليبي، الذي يديره الرئيس المطلق والدائم الصديق الكبير.
لهذا يبدو لقاء برلين المرتقب، كما لقاء لتجار حروب، من يفضلون الحرب طبعاً لكن يجنحون للسلم، إذا ما كانت الحرب، لم تعد تَجُب ما يجب، وبالتالي حُققَ المرتجى منها، وهذا أمر لا يقدره إلا رجال مخابرات الدول، التي من المتوقع أن تلتقي في برلين، ما من الضرورة استبعاد أداتها من الليبيين، من هكذا لقاء، وبهذا يمكن تسمية لقاء برلين، بلقاء تجار الحرب الليبية الرئيسيين.
هامش: قد يكون مقتل (البغدادي) زعيم كذبة «داعش»، فألاً يطيب قاعة مؤتمر برلين، ويرطب قلوب المجتمعين، فينزعون للسلم، بعد أن يكونوا شبعوا من حروبنا، ومن نتائجها، اللهم آمين...