Atwasat

اليوم أمرٌ.. وغدا نتمنى أن يكون أمر أجمل يا هند

محمد إبراهيم الهاشمي الثلاثاء 29 أكتوبر 2019, 01:54 مساء
محمد إبراهيم الهاشمي

غالبا العلاقة الإنسانية والاجتماعية الأقوى في بيئتنا ومحيطنا كمجتمع ليبي هي علاقة الولد بأمه، والأم بولدها الذكر. لا أذكر بالتحديد أين قرأت الفقرة التالية التي لم أنقلها حرفيا ولكني حافظت على المعنى والمضمون: (إن أقوى ارتباط عاطفي للرجل يكون مع أمه وابنته، يكون في أمان تام في تعاطيه معهما، وفي وعيه ولا وعيه يكون موقنا أن حبهما خالص له لذاته. ولن يتخليا عنه مهما حصل. والأم ترى ذاتها الأخرى في ولدها الذكر. الذات الحرة والقوية التي يمكن لها أن تحقق وتنال ما تُحرم هي منه بسبب القيود المجتمعية ، والشخص الذي تمنحه كل عاطفتها وحبها ولن يتخلى عنها يوما أو يبتزها أو يساومها).

انطلاقا من هذه المقدمة سأتحدث بتحديدٍ أكثر عن موضوع المقالة. التمييز الظالم مجتمعيا في حق الإناث.

* *
انتشرت في المدة الماضية مجموعة من الفيديوهات لفتاة اسمها هند، تشتكي فيها إساءة أهلها وتطلب المساعدة من المنظمات الدولية والمحلية، هذا الفيديو ليس الأول من نوعه ولن يكون الأخير مادامت الظروف التي نعيشها والتنشئة التي ننشأ عليها هي ذاتها ببشاعتها وتخلفها. أريد في هذه المقالة مخاطبة الشريحة الأهم في تنشئة مجتمعنا المضطرب، وهي الأم. وبالتحديد الأمهات الشابات لأنهن من بيدهن قوة التغيير حاليا نظرا للتعليم الجيد الذي يمتلكه معظم جيلنا، ولأن أطفالهن في بداية مرحلة النمو ولأن أبناءهن يرتبطن عاطفيا بهن أكثر من أي أحد.

كأفراد ليبيين نعي تماما طبيعة الاضطراب العاطفي والنفسي الذي ننشأ خلاله ذكورا وإناثا، مما يخلق هذا المسخ البشع بداخلنا الذي نورثه للجيل الذي بعدنا بواسطة التنشئة المضطربة ذاتها التي نشأنا عليها. ومن بيده إيقاف هذه السلسلة من الجحيم التي تقيدنا وتلتف حولنا حد الاختناق هو أنتنَّ أيتها الأمهات. من بيده بعث الحياة النبيلة في هذا الجسد الميت هو أنتن. والطريق إلى ذلك صعب وطويل ونبيل. وعليكن أن تخضنه إكراما وحبا لنا. اجعلوه أيتها الأمهات مشروعكن الكبير والعظيم. مشروع جيل سوي جميل وعادل . امنحن الحب لأبنائكن الذكور باعتدال، وعلموهم حب أخواتهم كما يحببنكم أنتن، علمنهم أن أخواتهم زهرات هذه الحياة والضوء واللون فيها، توقفن عن معاملة الذكر على أنه شيء مقدس فوق القداسة الإنسانية التي نتمتع بها جميعا ذكورا وإناثا، ولا تزرعن فيهم أو تجعلن للثقافة والعرف الفاسدين مسلكا لعقولهم وقلوبهم، ثقافة أن البنت قنبلة موقوتة وعار محتمل. لا تربيه أيتها الأم على أن طاعته فرض عين على كل أنثى حتى أنت، و حتى وإن كان على خطأ. لا تدليليه بظلم أخواته الإناث لكي يكون سندك الذي لن يتركك، إن لفظك زوجك ووالدك وإخوتك. لا تسايري الثقافة والعرف الفاسدين لكي تستطيعي العيش فيهما ونيل الاعتراف والتقدير فيهما. اختاري الطريق الصعب والطويل والنبيل. والمشروع العظيم، مشروع خلق جيل سوي جميل وعادل.

أدرك تماما الوضع الذي تعانينه كأنثى، وكأخت ، وكزوجة، و كأم، ولكنك إن أنجزت هذا المشروع ستجدين السعادة المستقرة أنت وكل أنثى في هذا البلد. ستصنعين جيلا من الرجال يقدّر و يعظّم الأم والأخت والحبيبة والزوجة وكل أنثى، وينشئ بدوره جيلا جميلا وسويا.
حينها ربما لن تتكرر مأساة ومعاناة هند وغيرها

وأنت يا هند أيتها الموهوبة والموهوبون هم الأقرب إلى الله، اليوم أمرٌ، وغدا نتمنى أن يكون أمر أجمل يا هند