Atwasat

نكتب، ما لم نعرف بعد!

أحمد الفيتوري الإثنين 21 أكتوبر 2019, 12:20 مساء
أحمد الفيتوري

أسأل من عديد، من المهتمين والصحفيين، عن حالة الكتابة في ليبيا الآن؟....

لم تعد الحياة، الحياة التي نعرف، في هذا العصر السبراني، تعيش البشرية عصر (حواء) المحرضة على المعرفة، كأنما البشر يولدون الساعة، أو كأنما القيامة الآن، في رواية (كرسي الرئاسة) للمكسيكي كارلوس فوينتيس: عام 2020م، تتوقف الحياة في المكسيك، لأن هناك قوى عظمى بيدها تعطيل الإنترنت، الرواية سفر هذا العصر تنبي بأن ما سيكون لم يكن.

إذا البشرية في جبل الطور وعلى الحافة، قفزتها القادمة في الفضاء. من هذا وغيره طبعا جاء الربيع العربي، وهو حدث لم يحدث قبل في أوطان العرب، كان مثقفون عرب يبشرون بالزوال العربي، فإذا بالربيع العربي يقلب الطاولة، حيث لم تعد النخبة لسان حال ما يحدث، وحيث لم يعد المثقف النافخ في البوق. وبذا المبدع العربي لم يعد الفرد، المفرد بصيغة الجماعة، فكما أن العلم لم يعد (العالم فلان أو علان)، الإبداع غدا أفقيا.

لقد ظهر مبدع مغيب هو القارئ/ المتلقي، من غدا جزءا من النص، حيث ينشر النص من خلال المبدع في حاله الأول، فيتشارك وشبكة متلقيه في تنقيحه ومراجعته، لقد تحطمت الحواجز.... ومن هذا ثمة إبداع ليس ما بعد الحداثة فحسب، بل إبداع ما بعد المعرفة، حيث المعرفة بالضرورة من الماضي ما زال، أما المعرفة القادمة فما لم نعرف بعد...

الكتابة ما بعد الربيع العربي، تجلت في أسماء شباب جلهم من النساء، وفي كتاب أشرف على إعداده الشاعر الليبي - الأمريكي خالد مطاوع، كانطولوجيا لكُتاب ما بعد ثورة فبراير، وقدمتهُ بدراسة مطولة، ومما قلته فيها: الكتابات: الشعرية والنثرية والسردية، ثمة عنوان لها يختزل الكثير من موضوعاتها، وأستعيره من عنوان أحدها «على أرضي حرب، في قلبي حب»، واللغة التهكمية الساخرة، تتناول الموت كما الحياة في جرأة تحطم التابو في اللغة والموضوع، وجل هذه الكتابات السردية موضوعها البلاد الليبية باستثناء قصة واحدة تتناول حدث مهجري، وتبين القصص والنصوص أن جيل الكتاب عاشوا تجربة السفر الطويل والمهجر، وهذا ملمح جديد في الإبداع الليبي، لأن الكتاب الليبيين جلهم فيما سبق عاشوا في البلاد، ومن خرج منهم كان في عمر متقدم.
إن التنوع يبان في الكتابات، وأنها حققت توازنا بين الشعر والسرد من جهة، ومن أخرى جمعت بين معالجات مختلفة وليست متباينة، فالنفس واحد في جل الكتابات، وروح التوتر، والعلاقة المضطربة مع اللغة، ومع الواقع، تسم هذه الكتابة، التي تنثر الشعرية، جاعلة من السردية، الشعرية، ولم تهتم بالتجنيس، ولا بالفروق بين السردية، والشعرية، أو بين الشعر والنثر ما تجاورا في النص الواحد بنباهة وإصرار. الكتابات الشعرية والسردية لم تعكس الواقع بل قدمت واقعا فنيا، شائكا، ومرتبكا، وغير حصيف، ولا فصيح، ومنها كتابات فنتازيا واقعية لا تشطح في الخيال لكن الزاوية الملتقطة فنتازيا في الواقع، تنبئ على أن الواقع أمست شطحاته أكثر غرائبية من خيال الكتاب. هذه الكتابات السردية والشعرية تتميز عن الكتابة الليبية السابقة بأنها كُتبت في زمن الثورة، والحرب الأهلية الناتجة عنها، وهي حرب مدن وشوارع، وقودها جيل الكتاب من أخوتهم، وجيرانهم، وزملائهم، وأصدقائهم، وأحبتهم، لذا تهجس بالفجيعة، في وقت القتل المجان والصدفة والعبث.

لم يسقط نظام القذافي بعد، فما سقط هو رأس النظام فحسب، ليبيا كما تنبأ العقيد في كتابه الأخضر، حيث قال: بعد سقوط الجماهيرية تعم الفوضى، الآن بعد خمسين عاما، على انقلابه العسكري المشؤوم، يتحقق ما عمل من أجله، خلال العقود التي جعل فيها (ليبيا في الأسر)، وهكذا الفوضى، بل الحرب الأهلية تعم بلاد العرب، وليبيا في القلب.

ما بعد الربيع العربي لم يتحقق بعد، لأنه موجة تتلو موجة، علّ ما يحدث في لبنان الآن والسودان والجزائر، يبين ما أن ما يحدث، في دول الربيع السابقة، عدم التحقق حتى الآن، في هذا الإطار يمكن أن أعتبر كتاب (شمس على نوافذ مغلقة)، ليس كتابة إبداعية أكثر حرية مما كان فحسب، بل كتابة إبداعية نوعية، لم نلم بأبعادها بعد، فالكتابة التي تكتب الآن، نوعية غير مسبوقة، وموضوعة شائكة، إنها شبكة تحولات ومتغيرات، مربوطة أيضا بالعصر السبراني الذي أشرت إليه.