Atwasat

فوز الغنوشي العصفور النادر!

أحمد الفيتوري الإثنين 14 أكتوبر 2019, 12:14 مساء
أحمد الفيتوري

• تونس: المفارقة!
تربطني وشائج خاصة قوية، بتونس الجارة البعيدة القرب، إنها من أول، ما زرت مقتبل العمر، إنها من أول، ما عرفت من الأوطان، تونس الجميلة، ذاتها تونس المفارقة: خضراء كجيب، في سروال الصحاري الكبرى، واحة برمة هلوعة، واحة مرحة لعوب، واحة عجولة فتفعل بتؤدة الجلل، واحة لا تحب أحد، غير ما ترى في المرآة، واحة تتمخطر أينما يخطر بالبال.

رئيس وزراء المملكة التونسية الحبيب بورقيبة، رئيس الجمهورية التونسية الأول، السربوني قانوني!، حتى أنه يحرص، أن يكتب الدستور: الرئيس مدى الحياة، وأن يُعرف بالمجاهد الأكبر، العاجز في شيخوخته، يستعرض عبر التلفزة، جسده شبه العاري، يعوم في مسبح القصر، على أنه البحر الأكبر، المحامي السياسي المحنك يتأتي، أبسط الكلم، يغلب لسانه الدرب.

تونس المفارقة، رئيسها الثاني، زين العابدين بن علي، رئيس الوزراء، رجل أمن الدولة!، يقوم بـ (انقلاب طبي)!، على الرئيس مدى الحياة بحكم الدستور!، رئيسها الثاني يواكب انقلابه بأغاني فيروز، مع استمرار عروض مهرجان قرطاج السينمائي الشهير، هذا الرئيس الثاني صاحب القبضة الحديدية، يمارس سلطته تحت ظل من انقلب عليه، فالحزب البورقيبي سيدير أمور الرئيس، (زين العابدين)الكلف بأمر، شئون سيدة قصر قرطاج، حبه، ليلاه (الطرابلسية)، من تدير شئون عائلتها.

تونس المفارقة، رئيسها الثالث محمد الغنوشي، جاء يسعي، من القلب المنقلب عليه، الغنونشي –اللقب يحمله أيضا رئيس المعارضة- رئيس وزراء الرئيس المخلوع، بثورة الياسمين جانفي (يناير) 2011م، هذا الغنوشي يرأس تونس لـ 24 ساعة، كافية لجعله رئيس البلاد، في تاريخ تونس المفارقة.

رئيسها الرابع بعيد 24 ساعة،فؤاد المبزع رئيس برلمان الرئيس المخلوع، أما رئيسها الخامس المنصف المرزوقي فبهلوان، سقط من جلباب أبيه، رئيس المعارضة الفائز بالانتخابات، الشيخ الغنوشي شيخ النهضة الحزب الديني،من هو في ذات الوقت الوجه الأخر، للحبيب بورقيبة شيخ العلمانية!.

ثم جاء الرئيس السادس كما، الحبيب بورقيبة الثاني، في الشكل والمضمون، حرص في عقده العاشر، من عمل في دولة الانقلاب، أن يحضر الأرواح، فيستعيد روح رئيسه أبيه ولي نعمته، شيخ العلمانيين، المجاهد الأكبر، لكن خالفه أن مات رئيسا، فأما رئيسها السابع رئيس البرلمان، بورقيبي أخر، دون طعم ولا رائحة ولا لون، لكنه يحب الحبيب وكفي.

تونس المفارقة، بعد انقلاب وثورة، لم تخرج من جلباب أبيها (الحبيب)، المجاهد الأكبر(في السياسة)، الرئيس مدي الحياة وما بعدها!، أب استقلالها المحامي المفاوض، أستاذ الطريقة الفرنسية للمطبخ السياسي!.

• المفارقة الغنوشي
شيخ طرب، شيخ سياسة، شيخ لعب، شيخ دين، مفارقة تمشي على أرجل عدة، ما بعد الحبيب بورقيبة، الأشهر في تاريخ تونس المفارقة: العصفور النادر الشيخ راشد الغنوشي.

لبس جلباب شيخ الإسلام السياسي، ثم تجلي في جلباب علمانية دينية!، أخفي نموذجه الأعلى، صاحب السلطان، شيخ العلمانية الحبيب بورقيبة، حاكم تونس من ساعة الاستقلال 1957م، حتى العجز فالإطاحة به بالانقلاب الفيروزي 1987م، الغنوشي ورث سلطة الحبيب، بفعل ثورة الياسمين، 2011م حتى الساعة وما بعدها، لكن في ثوب المعارض.

المسكوت عنه في المفارقة التونسية، أن تونس دون قانون أحزاب، دون محكمة دستورية، تخوض يمَ الديمقراطية! أن الديمقراطية التونسية، شبه البرلمانية ليست رئاسية، وأن الفائز في انتخاباتها، ما بعد ثورة الياسمين، الفائز الفعلي حزب (النهضة الغنوشي)، ففي كل البرلمانات حتى القادم الأغلبية (غنوشية)، وأنه خلال السنوات الخمس الماضية، سنوات الرماد، كان الباجي السبسي، قد نجح فقط في إعادة شبح بورقيبة، مما موه الحاكم الفعلي، الشيخ راشد الغنوشي ذا الأغلبية البرلمانية، وهكذا الصندوق منذ ثورة الياسمين، إلى التو والساعة، أفرز الفائزالواحد، فالصندوق لا يجيد لغة الممحكات، كمعاقبة الطبقة الحاكمة، إلى مقاطعة أغلبية، فتشرذم المنظومة (السيستم) الديمقراطي!، وما في حكم ذلكم.

صندوق 2019 وكد الموكد، أغلبية برلمانية نهضوية (حزب الإسلام التونسي!)، رغم أنه من ناحية أخرى وكد، فعل الربيع العربي، اضمحلال الإسلام السياسي، ما كنت على قناعة به، منذ بزوغ ذاك الربيع، فالفائز الأول خسر في النتيجة، فالنتائج في المحصلة، اضمحلال الإسلام السياسي،فالتونسي الفائز الأوحد منه!.

• المفارقة شعبوية!
الرئيس الثامن:(فلسطين عربية)، لسان عربي فصيح، ما نتج عن الانتخابات،أكتوبر 2019م، الرئاسية الثانية، في تاريخ تونس المفارقة، بذا يكتمل الضلع الثالث، لمثلث تونس المعاصرة: الحبيب بورقيبة الوطني، راشد الغنوشي الإسلامي، قيس سعيد القومي، يا لليلي التونسية!...

الغنوشي ذوالأمنية الكبيرة، ذو اليد القصيرة، قصر قرطاج الأمنية اغتنمه العصفور النادر، ما أشار الغنوشي قبيل الانتخابات، أنه بشغف يبحث عنه، كما مجنون ليلي جاء قيس سعيد، قيل من شارع غيبته نتائج الثورة، في شعبوية ظاهرة، تعم العالم وليس تونس فحسب جاء...، أنصاره لا يعرفون ما يريدون، لكنهم يعرفون ما لا يريدون، كأنهم من ستينيات القرن العشرين، ينهضون في حال أغلبية نائمة، ينبثقون من كل فج، يملئون الصناديق، بأماني أن يكون ما ليس كان، قيس العربي خالي الوفاض، من أي برنامج، من أي حزب، من كل ما عرفوا، فكأنه فارس الغيب والغياب.

هذا ما تراءىللكثيرين، في أحوال الرئيس الثامن الشعبوي، لتونس المفارقة، وكأنمابشارة الشيخ تجسدت بهذا، فأخرج القمقم الجنّ. وما ستبين الأيام القادمة، أن تونسالمفارقة، تغص بالربيع العربي، فالديمقراطية الناشئة محاصرة، من الداخل بالدولة العميقة، ومن الخارج تحت وابل، من نيران صديقة ومجاورة.

درس تونس، الديمقراطية، ليست كتابا يدرس، ولا ثقافة مجردة، بل تجربة تخاض بكل يد مضرجة، عقل متشائم وإرادة متفائلة، كما الشعوب كافة، كما في الهند وبنغلاديش، حيث تعم الأمية وتجمح الطائفية، درس تونس، أن الديمقراطية الناشئة، لابد لها من دعائم خارجية، إقليمية ودولية، كما السفينة الجانحة، في عباب أمواج البحر العاتية، لابد أن تُردف، إرادة بحارتها القوية، ريح مواتية!...