Atwasat

فشل النجاح الليبي!

أحمد الفيتوري الأربعاء 09 أكتوبر 2019, 01:05 مساء
أحمد الفيتوري

يعرف الكثيرون، أن الدولة مفهوم حديث، وأنها من نتاج الفكر القومي الغربي، مع القرن الثامن عشر، وأن دولا كألمانيا (1871م )، وإيطاليا (17 مارس 1861م)، ولدتا مع القرن التاسع عشر، على يد القوى القومية في البلدين، كما يعرف الكثيرون، أن أغلبية دول، ما عرف بالعالم الثالث، هي بلدان المستعمرات الأوروبية، حصلت على استقلالها، نتيجة حركة التحرر فيها، ما تحقق عقب الحرب الكبرى الثانية.

ضمن هذا الإطار، وقعت ليبيا، تحت استعمار الدولة الناشئة إيطاليا، وقد نجح الليبيون، على غير بلدان كثيرة مستعمرة، في خوض حرب مسلحة ضد العدوان الإيطالي، منذ ساعة الاحتلال في 7 أكتوبر 1911م، وحتى 16 سبتمبر 1931م، إعدام شيخ الشهداء عمر المختار، من تحول إلى أيقونة للمقاومة وطنيا ودوليا.

لكن الليبيين، رغم ذلكم فشلوا، في تحقيق تحرير البلاد، وقد سيطر الفاشيون الإيطاليون، على ليبيا فعليا من تاريخ إعدام أيقونة المقاومة عمر المختار، حتى قيام الحرب العالمية 1939م، حيث نجح الليبيون مرة ثانية، من خلال تحالف الأمير إدريس السنوسي، مع دول الحلفاء، خاصة رأس حربهم بريطانيا العظمى، فتأسس جيش من الليبيين، شارك في تلكم الحرب، مما ساهم في أن تكون المسألة الليبية، على طاولة المفاوضات في الأمم المتحدة، ما منحت ليبيا الاستقلال، في أول قرار يصدر عنها، بمنح بلاد استقلالها، فكانت ليبيا من أوائل الدول المستقلة، في العالم عقب الحرب الكبرى الثانية.

تأسست الدولة الليبية، على هذا الأساس، فدخل الليبيون، منذ صدور القرار الأممي (289) في 21 نوفمبر 1949م، في خضم تحقيق واستثمار هذا النجاح، ما فشلت في المحافظة عليه، رغم أن الملك إدريس السنوسي، كثيرا ما ردد حكمة مشهورة: «المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله»، فلقد قام نفر من الجيش الذي أنشأته، كلزوم ما يلزم من رواسخ الدولة، بانقلاب عسكري بقيادة الملازم معمر القذافي، من سيطر على البلاد لأربعين سنة خلون، ليؤسس لسلطة مطلقة عبثية، شعارها الذي طبقته بجدارة (اللا دولة)، وكان هذا من لزوم تلك السيطرة، ما وضع لها نظرية عالمية ثالثة، القذافي من جعل نفسه القائد الأممي، حامي حمى الإسلام، والوريث غير الشرعي، للحركة السنوسية الدينية الإصلاحية، ما اتخذت من ليبيا قاعدة، لإصلاح وقيادة دين العالمين كافة.

2-
كما أن النجاح ساهمت، فيه معطيات محلية ودولية، فإن الفشل كامن في هذه المعطيات، مع الأخذ في الاعتبار، أن مستجدات طارئة لم تكن في الحسبان زلزلت هذه المعطيات، فالاستعمار الذي حظيت به ليبيا، من دولة أوربية ناشئة، في طور نمو شابته القلاقل، حتى نجح الفاشيون في السيطرة على إيطاليا، وكان مدخل ذلك حرب كبرى أولى، فمقاومة مسلحة دامت لأكثر من عقدين، هذا مما ساهم في استنزاف البلاد ومقدراتها، وكانت كلفة الاستقلال حربا كبرى ثانية، فليبيا من ساحاتها البارزة، وعلى العكس من كل جيرانها، ما لم تطلهم هذه الحروب مباشرة.
دولة الاستقلال الناشئة، على أثر ذلك وغيره، غدت من أفقر دول العالم، حتى إن ثالوث مهمتها محاربة: الفقر، الجهل، المرض. فأصبحت مثقلة بمهمة قلَ مثيلها تاريخيا، لكنها نجحت، في خلق القاعدة الأساس، لمهمة كهذه، ألا وهو الاستقرار، غير أن من عبث الأقدار، أن ما كانت تبحث عنه، لتحقيق مهمتها أي الثروة، قد تم استكشافه تحت أقدامها، وفي أراضيها الشاسعة المثقلة بها، الصحاري الليبية، غير أن المراد والوسيلة المثلى لتحقيق الغاية، النفط قلب أوضاع البلاد، وقذف بها إلى أتون السوق العالمية.
نجاح دولة الاستقلال الناشئة هذا، أي الحصول على وسيلة، تحقيق الغاية المأمولة، قلب المجن، فكان فشلها في نجاحها ذاك، النفط سلاح التنمية، تحول إلى سلاح، مهد الطريق للانقلاب العسكري، الذي حول ذا السلاح لحروب طواحين الهواء، فقائد الانقلاب تمكن بهكذا ثروة، من خوض حروب طواحين هواء، لمجد شخصي غابر وعابث، ليبيا أمست مرة أخرى، أرض حروب كونية، من تشاد، وتونس، ومصر، حتى إيرلندا ونيكاراجوا، وجنوب أفريقيا وغيرهم، فالقائد الأممي، جعل من طرابلس العاصمة، مثابة عالمية للثورة العالمية.

3-
نجح الليبيون في المشاركة في الربيع العربي 17 فبراير 2011م، وأسقطوا القائد الأممي للمثابة العالمية، بعد ما قارب النصف قرن، من ازدهار الخراب، لكن النجاح جاء بعد تدخل دولي، بقرار أممي رقم 1973، فليبيا من دون دول الربيع العربي، تحولت بالقرار الأممي، لحرب يقودها تحالف دولي، ما نجح فيه، أن جعل من ليبيا مرة أخرى، مثابة عالمية للمصالح والنفوذ، والتنافس في أروقة الأمم المتحدة، فالمنظمات الإقليمية كالاتحاد الأوربي.. وإذا كان ما بعد الربيع العربي، أن حربا دولية اندلعت، ضد ما سمى بالإرهاب الدولي، فإن ليبيا على رأس القائمة.

هذه الخلفية التاريخية، الخلفية لما يحدث، الآن وهنا (ليبيا)، الخلفية التي في ذهن، كل حاملي السلاح، مموني السلاح، فالمنحاز لطرف، من أطراف حاملي السلاح، الخلفية المسكوت عنها، في بيت كل ليبي، في قصور الدول، ما متورطة في الشأن الليبي، طبعا في أروقة الأمم المتحدة، والمنظمات الإقليمية، وفي إضبارات غسان سلامة!.