Atwasat

جولة في مكتبات وسط البلد.. القاهرة

عبد السلام الزغيبي الأربعاء 02 أكتوبر 2019, 01:37 مساء
عبد السلام الزغيبي

لا تزال شهوة التنقيب عن كتاب نادر أو طبعة نفدت أو رواية جديدة لاقتنائها لا تضاهيها لذة أخرى لعشاق الكتاب الورقي، الذين يتلذذون بمرآه وملمسه ورائحته.. وقد طلب مني بعض الأصدقاء من اليونان وليبيا وبريطانيا، أن أبحث لهم عن كتب غير متوفرة في أماكن إقامتهم.

لهذا السبب وغيره، تجولت في مكتبات شوارع منطقة وسط القاهرة، وهي المنطقة الجديرة بالتنقيب في مكتباتها عن أمهات الكتب وأحدثها، التي ظلت على مر العقود تكتظ بأعرق المكتبات التي تعود نشأتها لبدايات القرن العشرين، وكانت ملاذاً لكبار المفكرين والأدباء وعمالقة الصحفيين. مكتبات سمعت وقرأت عنها الكثير، ووصلت مطبوعاتها إلى مدينة بنغازي في ليبيا قبل سنوات طويلة، عندما كنت أعمل في مكتبة «الوحدة العربية» لصاحبها الشعالي الخراز. ومن بين هذه المكتبات التي زرتها، أعرق مكتبات وسط القاهرة؛ مكتبة «الأنجلو مصرية» التي تأسست العام 1928، وهي تحفل بكتب قيمة في مجالات الفلسفة والمنطق وعلم الاجتماع والتاريخ والآثار وعلم المكتبات ومناهج البحث، فضلاً عن فنون المسرح والموسيقى، والموسوعات العلمية الضخمة، والقواميس ومقاييس الذكاء، وهناك ستجد كتباً لأبرز المتخصصين في كل هذه المجالات.

ومن أشهر المكتبات في مصر، مكتبة «مدبولي» بميدان طلعت حرب بالقرب من ميدان التحرير، تلك المكتبة التي تتكدس أرففها بآلاف العناوين في شتى المجالات وميادين العلم والمعرفة، والتي تأسست في ستينات القرن الماضي، وعرفت بأنها مقر للكتب الممنوعة والمصادَرة، خاصة في مجال الشعر والأدب، كما تضم عناوين أكاديمية في مختلف فروع العلوم الإنسانية.

أنشأ المكتبة، التي طالما حلمت بزيارتها، والتي تقع في شارع طلعت حرب بمنطقة وسط البلد، المرحوم محمد مدبولي محمد حسين، الشهير بالحاج مدبولي «1938-2008» الذي يعد من أبرز ناشري مصر.. ليتسلم إدارتها بعده، ابنه محمود مدبولي. ومدير المكتبة رؤوف عشم الذي استفسرت منه، عن أحد الكتب، اهتم بالأمر، وأرسل أحد الموظفين لإدارة المكتبة، للبحث عن عنوان دار النشر التي طبعت الكتاب.

في الجهة المقابلة مباشرة لمكتبة مدبولي، من الميدان نفسه تقع مكتبة «الشروق»، التي ظهرت في الثمانينات من القرن الماضي، وهناك يمكنك أن تجد جنباً إلى جنب، روايات نجيب محفوظ وجمال الغيطاني، وكتب المفكر عبد الوهاب المسيري، إلى جانب كتب الإمام محمد عبده، ومصطفى صادق الرافعي، وطه حسين، وأعمال الروائيين الشباب الأكثر مبيعاً.

وفي شارع هدى شعراوي وأمام وكالة أنباء الشرق الأوسط ، تقع مكتبة «تنمية» التي توفر أحدث الروايات العربية والأوروبية والأميركية، ولدى المكتبة أرفف خاصة للأعمال الأدبية المترجمة من مختلف بلدان العالم العربي. وفي تقاطع شارع هدى شعراوي وشارع محمد مظلوم، تقع مكتبة «آفاق» وعلى أرففها شتى صنوف أوعية المعرفة، خاصة ما يتعلق بالفكر والفلسفة والتاريخ والأدب المقارن والموسوعات العلمية ،إلى جانب الروايات.
وفي شارع جواد حسني، توجد مكتبة «ليلى»، التي يمكنك فيها العثور على أحدث وأهم المراجع في مجالات التاريخ والاقتصاد والاجتماع والسياسة، فضلاً عن الروايات الناجحة للأدباء الشباب. ويمكنك الحصول على أحدث الكتب التي تناقش القضايا السياسية الراهنة من مكتبة «كنوز» بشارع جواد حسني، فضلاً عن إصدارات متنوعة في مجالات أكاديمية مختلفة.

وفي شارع عبد الخالق ثروت يمكنك زيارة مكتبة «مركز الأبحاث العربية للنشر» وفيها تجد أحدث المراجع العلمية، خاصة في مجال التكنولوجيا والشبكات.

وفي نفس الشارع، توجد «الدار المصرية اللبنانية»، حيث يمكنك الحصول على ما يحلو لك من عناوين الكتب سواء أكانت أكاديمية علمية أم تتعلق بالأدب والروايات والنقد.

وفي شارع 26 يوليو، وبجوار مبنى دار القضاء العالي زرت مكتبة «المركز الدولي للكتاب»، الذي يضم جميع إصدارات وزارة الثقافة المصرية في مختلف فروع المعرفة، وبه أماكن مجهزة للقراءة والاطلاع.

وفي شارع قصر النيل يجد قارئ الكتب الدينية والفقهية وغيرها، مبتغاه عند دار «الكتاب العربي اللبناني»..

وفي شارع صبري أبوعلم، توجد مكتبة «ميريت» التي أسسها صديق الكتاب الليبين، الناشر محمد هاشم، العام 1998، لتتحول من مجرد دار نشر ومكتبة إلى مركز ثقافي وملتقى للأدباء والمثقفين والمهتمين بالشأن العام أيضاً.

وعند تقاطع شارع شريف مع شارع عبد الخالق ثروت، تجد أمامك مكتبة ضخمة، تابعة للهيئة العامة للكتاب المصرية، وهي هيئة ثقافية تابعة لوزارة الثقافة، تعنى بكل ما يخص الكتاب وصناعته في مصر، تأسست العام 1961، وهي مكتبة عامرة بكل محتوى متنوع من الكتب العلمية والأدبية ، فهي تقدم إصدارات مختلفة في جميع المجالات تقريباً.

ومقابل مكتبة الهيئة العامة للكتاب يقع فرع مكتبة «دار المعارف»، ودار المعارف هي دار مصرية للنشر تعتبر من أقدم المؤسسات الثقافية الصحفية المصرية، كل الكتب المدرسية المقررة علينا في مدارس ليبيا، كانت تطبع هناك، أسسها صاحبها نجيب متري سنة 1890 في مصر. ابتدت كمطبعة تجارية في شارع الفجالة بالقاهرة وبعدها بقيت داراً كبيرة للنشر وانتقلت سنة 1950لمبنى على كورنيش النيل في منطقة ما سبيرو، وهي المقر الرئيسي، ولها 21 فرعاً في مصر، نشرت الدار لكبار الكتاب مثل طه حسين وتوفيق الحكيم والمازني ومحمد مندور وإبراهيم ناجي وأحمد حسن الزيات وعائشة عبد الرحمن وشوقي ضيف وأحمد مستجير وأنيس منصور وعباس العقاد.

وبشارع صبري أبو علم يمكنك زيارة مكتبة «دار الثقافة الجديدة» للحصول على طبعات جديدة من روايات أدباء الستينات، كما تحوي أرففها كتب السياسة الخاصة بالاتجاه اليساري، وكتباً في مجالات علم الاجتماع والفلسفة والنقد الأدبي والتاريخ.

وأيضاً وفي نفس الشارع توجد مكتبة «سنابل»، وهي تعج بمختلف عناوين الكتب، خاصة الكتب التعليمية للأطفال، حيث خصص الطابق العلوي لكتب تعليم الأطفال.

وزائر القاهرة لا بد له من زيارة لمنفذ بيع «دار الهلال» العريقة بشارع المبتديان بمنطقة السيدة زينب، وهو المقر الذي يعود تاريخه لأربعينات القرن الماضي، حيث تزخر أرففها بأروع ما صدر عن «الهلال» لكبار المفكرين والشعراء والساسة المصريين والعرب، حيث ستجد كتباً منذ الأربعينات والخمسينات وحتى العصر الحالي.

وأثناء تجوالي في شارع البستان بمنطقة باب اللوق، صادفتني يافطة مكتبة تحمل اسم رائد أدب الطفل كامل الكيلاني، الذي طالما قرأ جيلنا قصصه المميزة، ولجت داخل المكتبة بطرازها الكلاسيكي المميز.. ترحب بالزائرين من مختلف الجنسيات الذين يسعون للتزود بقصص رائد أدب الطفل كامل الكيلاني وبكنوز من القصص العربية والمترجمات من روائع الأدب العالمي تحتفظ بها أشهر وأعرق مكتبة لأدب الطفل في عالمنا العربي.

يعود تاريخ تلك المكتبة إلى العام 1948، وكانت تحتضن ندوة «كيلاني» الأدبية كل سبت من بين حضورها العقاد، وطه حسين، والحبيب بورقيبة، وحبيب جاماتي، وشكيب أرسلان، وحاكم الشارقة سلطان القاسمي، وغيرهم.

وُلد كامل كيلاني في 20 أكتوبر 1897، وتوفي في الشهر نفسه أيضاً يوم 10 أكتوبر العام 1959. ليترك للأطفال العرب إرثاً لا يستهان به وتزداد قيمته يوماً بعد يوم. ووصفه أمير الشعراء أحمد شوقي: «الأستاذ كيلاني كعقرب الثواني: قصير، لكنه سريع الخطى، منتج، يأتي بدقائق الأمور».

ولا أحد منا يمكن أن ينسى قصص الكيلاني المحفورة في الذاكرة: «الأمير المسحور»، و«بساط الريح»، و«علاء الدين والمصباح العجيب»، أسطورة «الملك ميداس» وغيرها.

التجول داخل المكتبة العريقة متعة لا تضاهى، حيث ستجد عشرات القصص التي تركها «الكيلاني» بعضها تعود طبعته لأربعينات القرن الماضي، ما بين قصص فكاهية وقصص من «ألف ليلة وليلة»، وسلسلة أساطير العالم، جمع فيها أروع القصص من الأدب اليوناني والهندي والإنجليزي، وسلسلة القصص الهندية، وقصص شكسبير التي قدمها بشكل مبسط للأطفال، وقصصا عربية منها: حي بن يقظان، وابن جبير في مصر والحجاز، فضلا عن سلسلة القصص العالمية، وقصص تمثيلية منها «الملك النجار» التي يمكن للطفل أن يقوم بأدائها مسرحياً، ولم يغفل القصص الفكاهية التي تجذب الأطفال للقراءة والمطالعة، فقدم ما يزيد على ألف قصة، فضلاً عن القصص المترجمة.