Atwasat

هل، حقاً، من ليبيا يأتي الجديد؟

جمعة بوكليب الأربعاء 02 أكتوبر 2019, 01:34 مساء
جمعة بوكليب

تهكماً وسخرية مما يأتون به من عجائب في الأفعال والأقوال، في الحياة اليومية، يحرص الليبيون على تذكير أنفسهم بمقولة الفيلسوف اليوناني سقراط: «من ليبيا يأتي الجديد».

لكن الجديد والفريد، كما تؤكد الوقائع الحياتية، ليس حكراً على الليبيين، ولا خاصية تخصّهم، فالدنيا الكبيرة، بغرائب بشرها، وما يأتون به من أفعال، وما يرتكبونه من حماقات سمة عامة، موزعة، والحمد لله، بأنصاف على كافة الشعوب والأمم.

آخر ما قرأتُ من أخبار، يتعلق بشركة خطوط جوية يابانية، وحرصها على راحة زبائنها المسافرين، وذلك بتطوير موقعها على الإنترنت، بوضع خارطة لمقاعد الرحلات على طائراتها تبيّن المقاعد المحجوزة من قبل عائلات تصطحب أطفالاً، بشكل يتيح لكل من أراد الحجز الإلكتروني، في تلك الرحلات، أن يختار مقعده، بعيداً عن أولئك الأطفال، وعناء تحمل صراخهم طيلة مدة الرحلة!

الحرص واجب، والاهتمام براحة الزبائن المسافرين مهم للنجاح التجاري، وخاصة في الرحلات الجوية الطويلة زمنياً. لكن يبقى السؤال: لماذا الأطفال بالذات؟

الأطفال لا يشخرون في نومهم. وهم لا يحتسون الخمور في أسفارهم حد الثمالة، ويتحولون إلى كائنات تنفر منها حتى الخنازير، كما أنهم لا يضايقون غيرهم بسفاسف الأحاديث، ولا يفتعلون مشاكل مع أطقم العاملين في الرحلات، ولا يدخلون في معارك بالأيادي والأنياب كالقرود، ولا ينبحون بالبذاءات، أو ...أو... إلخ

الذين منا تقتضي أعمالهم كثرة التنقل والسفر، أو غيرهم، يعرفون من واقع تجاربهم الجوية أن بكاء وصراخ الأطفال ليس مبعثاً لقلق، وإن كان أحياناً، مصدراً لإزعاج لا يعدمون له تبريراً. أما مصدر القلق الحقيقي، والتوتر الحاد، فهو، حقيقة، المسافرون على متن تلك الرحلات من البالغين، ومن الجنسين.

ولو هزّ كل منّا أغصان ذاكرته قليلاً لإنعاشها، لتساقطت أمامه العديد من الصور المنفرة، والحوادث المؤسفة التي حدثت له، أو لغيره، خلال رحلات جوية، من قبل رجال ونساء بالغين، أحالوا ساعات الرحلة المقررة إلى جحيم جوي، لا يتمناه المرء حتى لألد أعدائه.

لو سُئلت، عن رأيي، فيما خططت له الشركة اليابانية، ونفذته، ضد الأطفال لكنت أبديت موافقة مبدئية على عملها، لكنها مشروطة، أيضاً، بوضعها لإشارات وعلامات لغيرهم من الركاب، بحيث إن المرء لدى قيامه بحجز مقعد له على موقع الرحلة، بالإنترنت، يجد أمامه خريطة واضحة للمقاعد المحجوزة وأصحابها. وعلى سبيل المثال، علامة إلكترونية تدل على أن حاجز المقعد كثير الشخير أثناء النوم. وأخرى تدل على أن المقعد محجوز لسيدة معروفة بتوترها، ولا يعجبها العجب ولا الصيام في رجب. وعلامة كبيرة وواضحة أكثر من غيرها لمقع محجوز من قبل مسافر بسوابق جنائيةّ! وهكذا.

الأطفال ليسوا المشكلة، ولن يكونوا، بل ضحايا. ونحن، جميعاً، نعرف من هم المرتكبون الفعليون للمشاكل وللجرائم وللحماقات والاحتيالات، وللحروب، ولتضييع الأوطان، وتخريب الأوقات، وقلب الحقائق، والتزوير، والتضليل... إلخ. فلماذا، إذاً، تصر الشركة الجوية اليابانية على تجاهل كل هذه الحقائق، بمحاولة الإساءة إلى أطفال أبرياء ليس بمقدورهم الدفاع عن أنفسهم، وليس في نياتهم التسبب في إيذاء أحد، أو إلحاق الضرر بغيرهم؟

لو كانت شركة خطوط جوية ليبية الجنسية من صمم ونفذ هذه السياسة التجارية لكنّا وجدنا لها العذر، وعلقناه على المشجب المعروف: «من ليبيا يأتي الجديد». ولكنّا ضحكنا هازئين ساخرين. لكننا نعلم أن شركاتنا الجوية، منذ سنوات، بين حرب وأخرى، تعيش لاجئة من بلد إلى بلد، ومن مطار إلى مطار، ولا وقت لديها للتفكير أصلاً سوى في النجاة بما تبقى لديها من طائرات قليلة، لم تنلها صواريخ وقذائف الثوار تحت مختلف الرايات والمسميات.

لكن، لحسن حظ ليبيا وشركاتها الجوية أن شركة خطوط جوية يابانية هي من أوجدت الفكرة، وبادرت بتنفيذها، ووضعها موضع الاستخدام، وتناولتها وسائل الإعلام الدولية بالنشر والتعليق. وإن أياً منها لم يعلق قائلاً: من اليابان يأتي الجديد! ولو حدث ذلك لما أثار التعليق أي ردود أفعال ساخرة، لأن اليابان هي اليابان، وتاريخها وسجلها الصناعي والتجاري، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، مليء بالجديد المفيد للبشر في كل أنحاء العالم.