Atwasat

الإثارة تعود للمسرح البريطاني

جمعة بوكليب الأربعاء 25 سبتمبر 2019, 12:18 مساء
جمعة بوكليب

فقرات العروض الحيّة، خلال الأسبوع الماضي،على خشبة مسرح الإثارة البريطاني، كثيرة، ومتنوعة، وشائقة. العروض هذه جرت في الوقت الذي لم تتوقف فيه العروض اليومية المعتادة التي يقودها السيد جونسون وفريقه في 10 داوننج ستريت مع الفريق المقابل في بروكسل. وكذلك، العروض اليومية التي يقودها السيد جيريمي كوربين زعيم المعارضة العمالي مع فريقه، ضد كوادر حزبه والمتعلقة بموقفه الشخصي المتردد من دعم بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي. 

بداية الإثارة الحقيقية، والتشويق غير المسبوق، انطلقت يوم الثلاثاء في صالة المحكمة العليا بلندن. حيث اصطف أحد عشر قاضياً وقاضية يمثلون أكبر هيئة قضائية في المملكة المتحدة لسماع مرافعات أكبر محامين بريطانيين متخصصين في القانون الدستوري للنظر في الدعاوي المرفوعة أمامها حول الخلاف المتعلق بأحقية الحكومة من عدمها في تعليق البرلمان لمدة خمسة أسابيع. عرض شائق لكل من صادف وتوفر لديه الوقت، والمزاج الملائم، والأهم الخلفية القانونية. العرض حيّ، نقلته مباشرة قناة سكاي، وأحضرت له معلقين قانونيين يشرحون ما قاله المحامون، ويحللون، وما على المشاهدين، مثلي، سوى المتابعة والإصغاء لفهم ما يحدث على المسرح، وما يدور من أسئلة وما يقدم من إجابات، الأمر الذي يجعلهم -أقصد المشاهدين- مسمّرين في مقاعدهم، بعيون تحدق في الشاشات، متابعين ومنصتين، ثلاثة أيام كاملة، وأعضاء هيئة القضاة جالسون، ملتحفون عباءاتهم المميزة، في حين أن وجوه المحامين تتغير، من يوم لآخر.

عقب ذلك في الأهمية، يأتي عرض آخر منقول مباشرة على شاشات التلفزيون، من مدينة بورموث الساحلية، حيث انعقد المؤتمر السنوي لحزب الأحرار الديمقراطيين. فقد جرت العادة أن يخصص شهر سبتمبر من كل عام لانعقاد المؤتمرات السنوية للأحزاب. وعادة، خلال هذه الفترة، يمنح النواب فترة راحة من البرلمان ليتمكنوا من حضور جلسات تلك المؤتمرات. وكانت العروض الحزبية السنوية تتسم بالاعتيادية، غالبا، لكن، هذه السنة، تغير الإيقاع، وبدا عرض الحزب، وهو الأول في العروض الحزبية، مثيراً هذه السنة، أكثر مما هو متوقع، ومحفزاً على المشاهدة، والمتابعة، لأن كل شيء فيه جديد. زعيم جديد للحزب ممثل في السيدة جو سنودين. رقم جديد في استبيانات الرأي العام يجعله يقف على نفس المرتبة مع حزب العمال. سياسة جديدة للحزب تتعلق بالبريكست، وأكثر من نصف دستة من نواب جدد انضموا إلى فريقه البرلماني بعد أن تركوا أحزابهم. مؤتمر غير عادي، بكافة المقاييس، خاصة بعد أن تبنى المؤتمرون قراراً بإلغاء المادة 50 الخاصة بالخروج من الاتحاد الأوروبي، في حالة حصول الحزب على أغلبية في الانتخابات وتولي السلطة. وهو أمر لايختلف كثيراً عن حلم إبليس بدخول الجنة. وما دام إبليس غير محروم من الحلم بدخول الجنة، فمن حق أنصار، وقواعد وكوادر حزب الأحرار الديمقراطيين وزعيمتهم الجديدة الحلم بالفوز بالانتخابات القادمة بأغلبية!

ولمن فاته العرضان السابقان، لابد وأن حظي بفرصة مشاهدة عرض آخر لايقل إثارة وتشويقاً، وهو ظهور السيد ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الأسيق على الخشبة بعد غياب ثلاث سنوات كاملة، انقلبت فيها بريطانيا رأساً على عقب ومازالت، بسببه. هذه المرّة، ظهر السيد كاميرون مرفوقاً بكتاب ألفه خلال فترة بياته الطويل، يحاول أن يبرر فيه قراره بإجراء الاستفتاء، ويحكي خلال صفحاته العديدة الكثير من التفاصيل التي شابت ذلك القرار، وما صاحبها من أحداث، ولاينسى كذلك انتهاز الفرصة للنيل من غريميه وصديقيه بوريس حونسون، ومايكل دوف اللذين قادا حملة الخروج من الاتحاد، وانتهت بخروجه هو شخصيا من 10 داوننج ستريت وقتياً، في حين أن بريطانيا مازالت في وضع المرأة الحرجانة من زوجها فلا هي طلقت وارتاحت، ولا عادت لبيت الزوجية. وبخروجه من الحكم، حلّ صديقه وغريمه السيد جونسون مكانه. ويمكن القول إن هذا العرض، مقارنة بسابقيه، متوسط الإثارة، لأن السيد كاميرون حاول جاهداً – دون فائدة – إقناع المواطنين أن قراره بإجراء الاستفتاء كان صائباً، لكن، فيما بعد، انقلب السحر على الساحر، وهو أمر لم يكن في الحسبان. تولت صحيفة التايمز نشر العديد من فصول الكتاب أو أهمها مسلسلة على صفحاتها بالاشتراك مع صحيفة الصنداي تايمز. كما أجرت قناة بي بي سي الإخبارية، وقناة آي تي في الثالثة، مقابلات طويلة معه. 

أما العرض الجدير، حقاً، بالمشاهدة والمتابعة فكان خارج الحلبة السياسية، وبعيداً عن فخاخها ودهاليزها، وأقصد بذلك الإنجاز الإنساني الرياضي الباهر الذي حققته سيدة بعد شفائها من داء السرطان عفاكم الله، وذلك بسباحة بحر المانش الفاصل بين بريطانيا وفرنسا أربع مرات، ذهاباً واياباً، دون توقف. وقطعت مسافة 86 ميلاً تقريباً سباحة خلال يومين. شيء يكاد يجعل منها أسطورة بشرية. السيدة اسمها ساره ثوماس، إنسانة جديرة بالإعجاب وبالاحترام. الرقم القياسي السابق حققه رجلان، كلا على حدة، بقيامهما بقطع بحر المانش دون توقف لمدة ثلاث مرات، وفشل كلاهما في تحقيق الرابعة. ساره ثوماس فعلت ذلك، وبجدارة.