Atwasat

من تونس يأتي .... الامل

أحمد معيوف الإثنين 16 سبتمبر 2019, 12:46 مساء
أحمد معيوف

تتساررع الأحداث في تونس وترتفع معها ثقة التونسيين في أن التغير قد حدث فعلا، وأنهم أصبحوا على عتبات عهد جديد سبقوا به الجغرافيا التي ينتمون إليها. وتضيف تونس بذلك لبنة أخرى في بناء كيانها الحديث إضافة للبناتها السابقة.

أذكر أني، ومن وحي الاتفاق السياسي التونسي في العام 2014، أن كتبت مقالا عنونته "دروس تونس الثلاثة" والتي شملت درس التحريض على الحياة كما أراه في أشعار أبوالقسم الشابي، ودرس الحرية في الملحمة التي سطرها المرحوم محمد البوعزيري بلهيب جسده، والتي فتح بها مصارع أبواب الحرية للتواقين وأرخت لسقوط المستبدين، لكنها لم تنهِ الاستبداد بعد. ودرس التوافق حيث كادت الأزمة السياسية التي نتجت عن اغتيال الناشط والسياسي النائب عن التيار الشعبي وعضو المجلس الوطني التأسيسي (لجنة الدستور) السيد محمد براهمي أن تعصف بالبلاد، وتبعث على انعدام الثقة في التغيير. فخرجت علينا تونس مرة أخرى بدرسها الرائع الذي أسس للوفاق بين الفرقاء السياسين، وتنازلت على أثره أقوى وأكبر القوى السياسية عن السلطة طواعية، ذلك أن التونسيين أدركوا أن حل الأزمات لا يتم إلا تحت سقف التوافق، وأن تونس أغلى وأثمن من المصالح الآنية التي تتحقق للتكتلات السياسية المختلفة. لقد وعى فرقاء تونس أن ما يجمعهم من منافع أكبر مما يفرقهم من مصالح. فتقدمت أربع منظمات وطنية بمبادرة لحل الأزمة السياسية في تونس، كونت هذه المنظمات الأربع، وهي الاتحاد التونسي للشغل والهيئة الوطنية للمحامين والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان لجنة رباعية لرعاية الحوار الوطني، وتقدمت بخارطة طريق واضحة احتوت على بنود رئيسية هي: 1) حل حكومة النهضة وتعويضها بحكومة كفاءات وطنية غير متحزبة، وقد قيدت الحكومة المراد انشاؤها بمهام محددة وجدول زمني لتنفيذ هذه المهام. 2) المحافظة على المجلس الوطني التأسيسي وتمديد فترته، مع تحديد مهامه وتحديد مدة زمنية لإنهاء مهامه. تولى حكومة التوافق التونسي السيد المهدي بن جمعة وشكل وزارة كاملة من المستقلين.

هذا الأسبوع يتم وضع اللمسات الأخيرة على العرس الديمقراطي التونسي، حيث يتنافس 26 مرشحا، العديد منهم مارس العمل السياسي مناضلا أو وزيرا أو حزبيا منذ عهد أبو رقيبة. فالمرشح العلماني محمد منصف المرزوقي مثلا حقوقي ومعارض سابق لنظام بن علي، يحمل شهادة الدكتوراه في الطب، أسس في العام 2001 حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، انتخب من قبل البرلمان التونسي كأول رئيس منتخب للجمهورية التونسيه بعد الثورة، اعتبرته مجلة التايمز الأمريكية واحدا من ضمن أكثر 100 شحصية مؤترة في العالم عام 2013، كذلك اختارته مجلة السياسة الخارجية الدولية (الفورن بولسي) من بين 100 مفكر عالمي في العامين 2012 و 2013 على التوالي. والإسلامي عبد الفتاح مورو، قاضٍ ومحامٍ، من مؤسسي حزب النهضة، تاريخه النضالي يمتد إلى حقبة الزعيم التونسي أبو رقيببة، له علاقات قوية وكبيرة على مستوى العالم، وحاضر في العديد من الجامعات، نائب أول لرئيس البرلمان التونسي. والدكتور عبد الكريم الزبيدي، يحمل العديد من الشهادات في الطب، وعلم وظائف الأعضاء وعلوم الصيدلة، فهو أكاديمي بامتياز، لذلك تقلد مناصب علمية عديدة في الجامعات التونسية، ومارس العمل السياسي فكلف بملف البحث العلمي ثم وزيرا للصحة قبل الثورة، ثم عين وزيرا للدفاع في الحكومات التونسية المتعاقبة بعد الثورة حتى وقت ترشحه.

ويأتي في قائمة المرشحين شخصيات لها وزنها في الساحة السياسية التونسية، فتشمل أربعة رؤساء وزراء سابقين هم الإسلاميين على العريض وحمادي الجبالي، والمستقل المهدي بن جمعة والمنشق عن نداء تونس يوسف الشاهد.

ويعتبر يوسف الشاهد، حسب العديد من التحليلات، من أبرز المرشحين للفوز في الانتخابات الرئاسية، لعدة أسباب لعل في مقدمتها الخبرة السياسية التي اكتسبها عن طريق الممارسة في عمره الذي لم يتجاوز منتصف العقد الخامس، فعامل السنّ مقترنا بهذه الخبرة يسمح له أن يكون مثاليا لهذا المنصب، وقد اكتسب تجربة صارمة في أجهزة السلطة التنفيذية، ورغم أنه لا يمتلك تاريخا نضاليا إلا أن ارتقاءه من كاتب دولة مغمور إلى رئيس للفريق الحكومي في وقت وجيز، وصموده إزاء خصومه السياسيين ومناوراتهم الرامية للإطاحة به تؤهله لأن يكون منافسا شرسا لباقي المرشحين، وربما كان نصيبه أفضل لو لم يتم تقديم مرشح عن حزب النهضة الذي دعمه في مركزه كرئيس للوزراء، ففقده لدعم النهضة أفقده خزانا انتخابيا كبيرا كان ممكنا أن يرجح كفته بشكل كبير.

كما تحتوي القائمة على حزبيين مخضرمين كالسيد حمة الهمامي زعيم الجبهة الشعبية ذي التجربة الطويلة في العمل السياسي، ورمز من رموز اليسار التونسي، والذي سبق وأن تقدم لترشيح نفسه في اتخابات 2014، وحلّ فيها في المركز الثالث.

ولم يغب عن القائمة ملوك الإعلام ورجال الأعمال كالسيد نبيل القروي الذي يعتقد البعض أن الحملات الإعلامية التي قادتها قناته نسمة كانت سببا في وصول حزب نداء تونس إلى قصر قرطاج. ورغم اختلاف توجهاتهم جميعا، إلا أنهم يكادون أن يجمعوا على قضيتين أساسيتين في سياستهم الخارجية، القضية الأولى أهمية ليبيا والقضية الثانية الاتحاد المغاربي.

والقائمة تطول، إلا أن أجمل ما فيها التنوع في التوجهات السياسية والانتماءات الحزبية للمرشحين، هذا التنوع يزين هذا العرس الانتخابي غير المسبوق في دولنا، ويجعلنا جميعا نتطلع بغبطة إلى الآمال التي تحققها تونس، نعيش معها ليس بصفة متفرجين بل منخرطين، فلا شك أن ما حدث ويحدث في تونس سيكون له أثره علينا جميعا. ولعلي أقول بكل ثقة، كما كان المرحوم نهاد قلعي يقول: إذا أردت أن تعرف ماذا يحصل في إيطاليا فعليك أن تعرف ماذا يحصل في البرازيل. وأنا أقول: إذا أردت أن تعرف ما الذي سيحدث في ليبيا فعليك أن تعرف ما الذي سيحدث في تونس.