Atwasat

عمر أبوالقاسم الككلي يكتب: انتحار الشعوب!

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 15 سبتمبر 2019, 02:32 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

الانتحار ظاهرة إنسانية موغلة في القدم، تتمثل في إقدام المرء على إنهاء حياته بقرار منه.

وبغض النظر عن العوامل والاضطرارات التي قد تدفع بإمريء إلى الإقدام على فعل كهذا، وغض النظر أيضا عن موقف الأديان من هذه الظاهرة، فإنها، من جانب آخر، تتضمن بعدا مهما، هو إمكانية إنهاء الحياة من قبل الشخص ذاته وإرادته القاضية بتنفيذ هذه الإمكانية، فالإنسان ليس محكوما بالحياة رغم إرادته.

يقول كاتب فرنسي، بهذا الصدد، لو لم توجد إمكانية الانتحار، كنت انتحرت.

والانتحار أوسع انتشارا مما نعتقد، فحسب الإحصائيات يضع ما يقارب 800000 شخصا سنويا حدا لحياتهم، ناهيك عن المحاولات الفاشلة. كما أن الانتحار يعتبر ثاني أهم سبب للموت بين من تتراوح أعمارهم بين 15 و 29 سنة.

غير الانتحار الفردي الناتج عن أسباب شخصية، يوجد انتحار جماعي تقوم به جماعات دينية، ذات رؤى غريبة، تستعجل بانتحارها هذا الذهاب إلى الجنة.

هناك نوع آخر من القتل، يمكن أن يصنف تحت مفهوم الانتحار، كانت تقوم به بعض الجماعات والأعراق البدائية أدى إلى انقراضها، أي إلى انتحارها.

ويمثل جيمس فرايزر* على ذلك بقتل "البولينيسين المنظم لثلثي أطفالهم. ويقال أن النسبة نفسها تقتل في بعض مناطق إفريقيا الغربية فلا يتركوا [كذا] الأطفال يستمرون في الحياة إلا بتوفر شروط معينة فيهم. أما الجاغا، وهم قبيلة محاربة في أنغولا، فكانوا يقتلون جميع أطفالهم بلا استثناء كي لا تعاق المرأة في مشيها، وكانوا يستعيضون عنهم بصبية وفتيات في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من العمر بعد أن يقتلوا آباءهم ويأكلوهم.

ومن بين هنود المايا في أمريكا الجنوبية اعتادت النسوة على قتل جميع أطفالهن إلا الأخير أو من يعتقدن أنه الأخير، ويقتلن كل من يأتي بعده". ويقول فريزر أن الممارسة الأخيرة أدت إلى تدمير فرع كامل من شعب المايا الذين قاوموا الإسبانيين وأرعبوهم ولسنين عديدة. ويضيف: "ومن بين هنود لنغوا في غران تشاكو، اكتشفت البعثات التبشيرية ما يمكن أن يوصف بأنه نظام الانتحار العرقي المنظم عن طريق ممارسة قتل الأطفال بالإجهاض أو بطرق أخرى". ولم يتوقف هذا التدمير الذاتي عند قتل الأطفال لدى القبائل البدائية، وإنما كانت هناك طرق أخرى. فـ "قوم اللافيش يستخدمون امتحان السم كطريقة لا تقل فعالية. فمنذ زمن ليس بالبعيد أتت قبيلة من الجبال تدعى أويت واستقرت على ضفاف الفرع اليساري من نهر كالابار في إفريقيا الغربية وعندما وصلت البعثة التبشيرية المكان وجدت الناس موزعين على ثلاث قرى. ومنذ ذلك الحين قضى امتحان السم على معظم القبيلة".

والآن، يعن لنا أن نطرح السؤال التالي: ألا تعتبر الحروب الأهلية، بما هي أفعال تدمير موجهة نحو الذات الجماعية العامة، نوعا من الانتحار الجماعي؟. أليست الحروب الأهلية الدائرة الآن في سوريا واليمن وليبيا تدميرا ذاتيا من قبل هذه الشعوب لنفسها؟ وبالتالي تضع نفسها على طريق الانتحار؟.

*جيمس جورج فريزر، الغصن الذهبي: دراسة في السحر والدين. ترجمة نايف الخوص. دار الفرقد. سوريا- دمشق. 2014، ص 383- 384.