Atwasat

رحلة خاسرة.. جداً!

عطية صالح الأوجلي الخميس 12 سبتمبر 2019, 03:35 مساء
عطية صالح الأوجلي

(1)

جولة سريعة في الـ«فيس بوك» أو محطات التلفزة تعود منها مصدوماً، كئيباً، الغيظ يلتهب داخلك لكمية الإسفاف والشتائم والإهانات التي لم يسلم منها أحد.
لا الديانات ولا المذاهب ولا الأعراق ولا المدن ولا القبائل، لا الشيوخ أو النساء أو الأطفال، لم يسلم من الأذى أحد.
تستغرب لهذا التفنن في أذى الآخرين واحتقارهم وإهانتهم. تعود، لتجد التساؤل يواجهك: من أين يأتي كل هذا، وأي غرض يخدم، ولماذا كل هذا الكره الأعمى؟!

(2)
لا يولد المرء بكراهية تجاه أحد ما، وإنما يكتسب التعصب والانحياز من خلال البيئة التي ينشأ بها، فالعنصرية والتعصب لجماعة ما هو سلوك مكتسب، والعنصرية تقوم على معتقدات خاطئة وظالمة، وغالباً ما يكون مبعثها تبني الإنسان ما يسمعه من أهله، دونما تمحيص أو تفكير أو مراجعة، وفي الغالب هي قائمة على معلومات خاطئة أو مبالغ بها.
وأحياناً على مجموعة من الأكاذيب، وغالباً ما يتم تصوير الطرف الأخر بصورة تجرِده من إنسانيته، بحيث تمنح المتعصب أو العنصري المبرر لأفعاله وسلوكياته وتمنحه «وهم» التفوق.

(3)
تبدأ العنصرية بالتركيز على الفوارق بين الناس. فوارق في الدين أو اللغة أو الثقافة أو الأصل أو اللون، بحيث ينقسم العالم في ذهن الطفل إلى «هم» و«نحن»، ثم يتم تعزيز هذه الفوارق بشيطنة الآخر، ونزع الصفات الإنسانية عنه وبأنه غير جدير بالمحبة أو الثقة أو الرحمة.
فالمرء لا يستطيع أن يمارس العنصرية ضد من يحب أو يثق، كما يتم تعزيز المخاوف من الآخر، بحيث تجرم أية محاولة للتعامل الإنساني معه بل ينظر لها على أنها انحرافات خطيرة.

(4)
أخطر ما في العنصرية هو أن كثيراً ما تنجح في تحويل ضحاياها إلى ممارسين لها، وبهذا يتكرس وجودها وتصعب محاربتها، فالتاريخ وتجارب الشعوب الأخرى تعلمنا أنه لا يمكن محاربة العنصرية بالعنصرية، ولا يمكن محاربة السلوك العنصري بالتعميمات الظالمة أو بتبني نفس السلوك، ولا يمكن إطفاء الحرائق بإشعال المزيد منها، ولا يمكن محاربة الجهل إلا بالمعرفة الحقة (وتعارفوا).

(5)
تغيير السلوكيات أمر ممكن، إذا ما وجد من يؤمن به ويعمل من أجله، ويدرك أنه يحتاج إلى وعي وصبر وجهد. وتغيير الأفكار والسلوكيات لا يأتي دون مقاومة، فكل تغيير جاد في كل المجتمعات واجه مقاومة، من تحرير العبيد، حتى تعليم المرأة، ومن حق التصويت والترشيح، إلى استقلال الشعوب، ولكن مشوار الأف ميل يبدأ بخطوة واحدة.. فهل بدأت بنفسك، وراجعت أفكارك تجاه الغير، وقاومت كل التعميمات وكل الأحكام المسبقة، وآمنت بأن كل جماعة إنسانية تحوي الصالح والطالح، وأن وضعها في سلة واحده لهو ظلم عظيم.
وإنها لرحلة خاسرة، وخاسرة جداً.