Atwasat

بيعُ الريحِ للمراكب!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 03 سبتمبر 2019, 12:57 مساء
أحمد الفيتوري

كهف أفلاطون

في كتاب (الجمهورية) يتحدث أفلاطون، على لسان سقراط، متحدثاً لأحد أتباعه: تخيل كائنات بشرية، قبعت في كهف تحت الأرض، له ممر طويل باتجاه النور، ظَل هؤلاء الناس هناك، منذ نعومة أظافرهم، وقيدت أرجلهم و أعناقهم بأغلال، بحيث لا يستطيعون التحرك، من أماكنهم أو رؤية أي شيء، سوى ما يقع أمام أنظارهم، لأن السلاسل منعتهم، من إدارة رؤوسهم. وخلفهم نار متأججة من مسافة، و بين النار والسجناء، طريق مرتفع، ولتتخيل على طوال هذا الطريق، حائطاً منخفضاً، مشابها لتلك الحواجز، التي يضعها أمامهم لاعبو الدمى المتحركة، أولئك السجناء في موقعهم هذا، لا يرون من أنفسهم ومن جيرانهم شيئا، غير الظلال التي تلقيها النار، على الجدار المواجه لهم.

الذين يعيشون، في كهف أفلاطون، عندنا في الوقت الراهن، هم القوى المسيطرة اللاعقلانية العملية، ما تتمثل كهوس ديني، فكوجيتو هذه اللاعقلانية، أن من ليس معي ضدي، فالآخر لا كينونة له، لا حق له، لا وجود، إلا من خلال الانضواء الأعمى. أما حيثية حامل هذه اللاعقلانية، فإنها العدمية، التي تتمظهر في الخواء، ومن ذا تتجسد في حال، المتطرف الإقصائي، أي أنهم سجناء مكنتهم، اللاعقلانية العملية القوية، وعلى الواقع يمارسون نفوذا، ويفعلون فيه متسلطين ومسيطرين عليه، يسطرون ما شاؤوا... والأيديولوجية التي تصوغ بها، هذه القوى وجودها، تستبعد العقل ضرورة، وتستبيح المعقول.

حيث أنها مأسورة في أنها الحق، وكل ماعداها باطل الأباطيل، فإن الغاية القصوى ومبرر وجودها السلطة، فمنها ولها السلطان ما هو عطية إلهية، بهذا التبرير، تتخذ الدين قناع السلطة، الممنوحة لها من السماء، ومن هذا كل صراع على السلطة، يتخذ من خيمة الله ملاذا، فإنه حزب الله.

هذا التقنع المموه، بقي سترة السلطة، كلما كانت مطلقة، ولذا هتلر اتخذ الصندوق، كصاروخ عابر إلى السلطة المطلقة، وكانت النازية ديانة محدثة، تستعير طقوسها من التاريخ، وبالتالي مبرر وجودها، ولأن الدين من الأزل، لذا نجد القوى المسيطرة اللاعقلانية العملية، تعلل صيرورتها من الماضي، وتجنح إليه... هذا الماضي لم يمضِ لأن استعادته في الحقيقة من خلال الراهن، وهو ماض تتصوره هذه القوى (الرجعية)، التي تخاف المستقبل، ما قد يسلبها سلطتها، بل وفي هواجسها يسلبها الوجود.

السلطة المطلقة سلفية
السلطة المطلقة كانت ومازالت، تستند إلى مطلق ميتافيزيقي منذ كانت، اليوم وهي تتصارع من أجل السلطة، ما خلخل كينونتها الربيع الغربي، تتحالف مع جناح ديني يخدم أي سلطة، وهو الفصيل الديني السلفي، الذي هو كما تكنوقراط ديني، يعيد تفسير وتأويل النصوص المقدسة، بمقتضى حال السلطة المهيمنة، إنهم فقهاء الدسترة الدينية. ومن هذا (السلفية) في الحقيقة، هي دين السلطة القائمة، منذ عهد سقراط، وحتى في الدول العلمانية التي تحتاج لتأويل ديني ما.

وبطبيعة الحال إن السلفية دائما ليست هي السلفية، فهي في حالة تحول براغماتية، وهي كما البصلة لا لب لها، وتعددها واختلافها لا يتعدى قشور البصلة. وهذا التمظهر يجعلها تتلون بيسر، وتتخفي حتى وهي تتخذ المنبر وسيلة تواصل، فإنها جهاز أمن لتثبيت الحال، يؤمن السلطة من التحريف والتجديف. ولهذا فإن انتماءها موثوق، لأنها لا تشخصن السلطة المطلقة في الديكتاتور، بل في الديكتاتورية نفسها، ولهذا السلفية محاذية للسلطة المطلقة، وهما معا جناحا الدولة القائمة.

دولة السلطة المطلقة نظام حكمها وراثي، سوى كان ملكيا أسريا أو غير ذلك، فقد يكون الورثة عسكريين أو رجال أمن وما شابه، وأيديولوجيا هذه الدولة السلطة المطلقة، وأن الغاية تبرر الوسيلة، وأن من ليس معي ضدي، ولهذا أهم وسائلها الإقصاء وديدنها المحافظة. ومن أهم ما توصم به هذه السلطة التبعية، فإن لم تكن هي الأقوى، فإنها بحاجة لذا لـ (القوة العظمى) لتحافظ على سلطتها، وهي قوى نمطية سمتها التشابه، ما يظهر أن التباين بينها، في الزمان والمكان، ضئيل وضنين، فالسلطة المطلقة، كما أنها سلطة الدولة البدائية، مقوماتها محدودة ومعارفها كذلك، فما تحتاجه العسف والعنف وحجر العقل، ليس أكثر ولا أقل.