Atwasat

وهم النخبة الليبية

نورالدين خليفة النمر الأحد 01 سبتمبر 2019, 12:53 مساء
نورالدين خليفة النمر

لا أتصوّر واحداً من اثنين يساهمان معي في الكتابة أسبوعياً من جيلي المميّز بالسبعيني بالقرن الـ 20 يجرؤ أن يُدرج إسمه واهماً في نخبة ليس سياسية، ولا حتى ثقافية مُتخيّلة. بل يمكن القول أن العسف بتجربتهم في 1976، و 1978 من طرف الدكتاتورية لم يسمح بعدهم بظهور كُتابٍ يحوزون مثلهم جدارة التسمية، يتوّهمون أنفسهم نخبة تتصدر الشأن العام الليبي في هذا الظرف العصيب. ولا أحد منهم ينعى على فئتهم التي تنثرها الفوضى الليبية مفهوماً بلا ماصدق. أن تمارس بشكل مافعل الكتابة الذي لامتلقيا له. كما أن ولا واحدا منهم سيتهوّر مثل ما يكتب مغمورون ـ لانعرفهم في عمرنا الذي أنفقناه في الثقافة ـ مقترحين "تشكيل رابطة للمثقفين الليبيين تكون أكثر حضورا وقوة وفاعلية وتضم أكبر عدد منهم وتجتمع وتضع (لم يذكروا لمن؟) الخطط والبرامج ". حيث الكل ينزوي عن المشهد التغييري الليبي 2011 ـ 2019. المتروك أسفاً للعطلة.

يربط باريتو النخبة بالممارسة الوظيفية، التي تفتعلها طبقة حاكمة، تستقل بها مواصفاتها الذاتية، عن أي دعم وتأييد جماهيري، وتؤهلها لاحتكار المناصب.

عكس ما انتهى إليه باربتو، يقرّب موسكا ما بين نظرية النخبة السياسية والديمقراطية، مستبعدا المدلول الماركسي للطبقة بفصل: الطبقة (النخبة) الحاكمة عن الطبقة (الغالبية) المحكومة. وتميز النخبة يكون في قوة تنظيمها، وتوفر دافع؛ وهدف معين تسعى إليه في مواجهة أغلبية غير منظمة، مع التأكيد على أهمية اعتماد طبقة الحاكمين على موافقة ورضى الجماهير. بينما يربط ميشيالز تعريفه للنخبة السياسية بواقع عمل الأحزاب السياسية التي تتحول بمرور الزمن من منشئها الديمقراطي، إلى تنظيمات أوليغاركية. لحاجة التنظيم إلى أقلية منظمة تقوده. ومن خلاله تستحوذ على السلطة بتموقعها في مركز اتخاذ القرار. دعم ملز هذا التصوّر بمثال الولايات المتحدة، حيث تتحكم ثلاث مؤسسات. وهي العسكرية والسياسية والشركات الكبرى. ونختم بالاستشهاد ببوتومور الذي يقدم توليفة من التعريفات السابقة فيميز بين "النخبة" كونها فئة وظائفية، و"الأقلية" التي تحوز أهمية اجتماعية تبوئها التحكم في السلطة، وممارسة التأثير السياسي، مما يضطرها للدخول في صراعات مباشرة مع أقليّات منافسة في سبيل القيادة السياسية.

بتوصيف السوسيولوجيا المطبقة على الحالة الليبية، نتعامل معها كحالة غير سياسية منذ اختصار ولاية برقة بلاسياسة في شخصية الأمير السنوسي، واختصار الأحزاب الطرابلسية في حزب المؤتمر الوطني، والذي بعد انشقاق صفوته السياسية عنه، اختصر في زعامته، التي بإجراء قانوني تم إبعادها إلى المنفى، وبعد هذا المنفى لم يعد في ليبيا منذ عام 1952 إلى وقتنا الراهن للسياسة والانتخابات ملكوت. فكان ضمنيا قرار حل الأحزاب أوتفريغها من مضمونها، بإجهاض التجربة المقرّبة للديمقراطية في برلمان صوري لامهمة له وفي حكومات تنفيذية تُسيّر بأوامر القصر الملكي حتى عام 1969. أو في دكتاتورية عسكرية تمشيّها أوامر مجلس الانقلاب، حتى عام 1977 أو في ديمقراطية بدون طليعة أو صفوة ممثلة تسمت بالمباشرة الصورية والفوضوية، فوضت من قبل شعب لا وجود عينيا له في مؤسسية حزبية تمثيلية، لحاكم تمددت أتوقراطيته المتوّحدة في الجسد الاجتماعي مما صعب فصل خيط العقل في سلطته من شبكة الأهواء التي أودت به وبنظامه عام 2011 إلى الهاوية.

إزاء هذا الواقع السياسي المُزري ينبغي اللجوء إلى الفصل البوتوموري، بين قلّة سياسية استوعبتها نخبة وظائفية ساعدتها المضادات المحلية للديمقراطية والتعددية الحزبية أن تنتج دولة وظيفية توفرت شروطها في ليبيا وتأكدت بظهور الريع النفطي بداية الستينات. فتمت معارضتها وإعاقتها بالقومجيات والعروبيات الواهمة إلى عام انقلاب سبتمبر 1969.

بعيد الانقلاب الذي فاجأ العالم بالضحالة السياسية لمنفذيه الضباط من صغار الرُتب. خلصت النقاشية البيزنطية ممثلة فيما سمّي بندوة الفكر الثوري التي ترأسها زعيم الانقلاب وبعض من رفاقه الضباط الذين لاعلاقة لهم بالثقافة في ثلاث فئات: الإسلامية القومية التي التصقت بجريدة البلاغ المُعارضة للملكية، التي سمت نفسها صوت الطلائع العربية الوحدوية، وسفسطة البلاغة الفارغة التي تجلت في الصحافة ونموذجها كتابة النيهوم، والأسوأ حركة القوميين العرب الديماغوجية ، التي تسلل بعض رموزها وأغلبهم بدون مؤهلات في الأجهزة التنفيذية للدولة. وهذه الفئات الثلاث ستتشكل منها النسخة الليبية للتنظيم السياسي الناصري الذي أطلق عليه اسم الاتحاد الاشتراكي العربي.

يضع موت الرئيس المصري عبدالناصر عام 1971، وانقلاب وريثه الرئيس السادات على تنظيمه الناصري، مجلس قيادة ضباط الانقلاب الليبي الشُبّان في مأزق الفراغ السياسي، ويجعل من الاتحاد الاشتراكي العربي هرماً من كرتون. بل يجعل من دعاوى الوحدة العربية وتحرير فلسطين بوق نفير لاصدى له بين الجماهير التي عبأتها الديماغوجيا لعقدين في خطط ساذجة من العواطف التي لامعنى حقيقيا لها.

مات المضمون الساذج، وبقي الشكل الوهمي يعمل ماكينة إعلام، توّسعت في ليبيا لتستقبل جيش العمالة المصرية، التي توظّفت في الحقبة الخمسينية والستينية للعهد الناصري في مهنة الكلام والرديف العربي القومي الذي تعيّش معها من ريع النفط الليبي . شاء عام تعيني في الإعلام 1978 أني أدركت بقيتهم. وفي العام1979 تم إسقاط المؤسسة العامة للصحافة، التي ستنبعث عام 1980من خرابها المؤسسة التعبوية لحركة اللجان الثورية ممثلة فيما سمي بالصحافة الثورية وعلى هامشها صحافة المهن من المنتجين (العمال) والمعلمين والمزارعين والشرطة والشعب المسلح (الجيش)، والموظفين حيث الكل موظفون يتقاضون مرتباً من ريع النفط يُشبعون به حاجاتهم البدائية التي حدّدها لهم الكتاب الأخضر . هذه الظاهرة الثقافية المصطنعة في العشرية السبعينية للقرن الـ 20 ، التي ليس لها مضمون وطني، هي التي خلقت وهم النخبة في ضمائر الجيل السبعيني من الكتاب الليبيين، الذين بعد خروج جُلهم من السجن عام 1988، وطلوع بعضهم من نفق العزلة ، وعودة البعض من المنفى، حاولوا بحياء وخواف نحت مسار كتابة،هدفها الأول الارتزاق الوظيفي، والثاني التعويض عن التغييب الذي طالتهم به الدكتاتورية، والثالث محاولة ما أمكن إعادة نشاط الكتابة إلى معياره السبعيني، بعد ضياع المعيار في خلطة الفوضى التي ضمت في إهابها الحابل بالنابل.

كل المبعوثيات الأممية لليبيا لإدارة أزمتها إلى منفذ لحلّ سياسي منذ عام 2011 بدءاً من المبعوث البريطاني مارتن، وعبر متري وليون، وكوبلر وحتى سلامة 2019. لاأتصوّر أن سرى أو يسري في روعهم إحساس أن من التقوهم تقصداً أو مصادفة من الليبيين بكل فئاتهم يمثلون النخبة السياسية بمفهوم علم الاجتماع والسياسة بالتحديد العلمي الذي ألمعنا إليه آنفاً في كتابات: باريتوV. Pareto ، وموسكاG.MOSCA ، وميشيالز R.MECHILS ، وملز R .millez، وبوتومور T.Bottomor. وهم النخبة يعشش فقط في أذهان الليبيين الذين التقوهم في طريق الضياع الليبي متاهة صحراء سيناء لشعب بني إسرائيل.