Atwasat

البديهيات المنسية

آمنة القلفاط الخميس 29 أغسطس 2019, 04:38 مساء
آمنة القلفاط

يبدو الحق الذي يتشبث به كل فريق في الصراع المسلح، الذي يدور على تخوم العاصمة طرابلس، يقيناً راسخاً لدى كل منهما. وعندما تتحول القناعات إلى بديهيات مسلم بها ولا يقبل التشكيك فيها، عندها يتحول الصراع إلى رفض الآخر ويصبح الاقتتال الخيار الوحيد.

البديهيات الثابتة الحقيقية والمسلم بها، تبدأ من رفض الحرب، رفض أن تكون بيوت الأهالي وممتلكاتهم سواتر لحرب وقودها شبابنا، وشوارع مدينتنا، سراديب ملغمة لهذه الحرب العبثية. تبدأ من الإقرار أننا نخسر كل يوم يمر، نخسر الشباب وهم عماد الأمة، وأن الحرب وإن طالت فإنها لن تكون إلا جسراً للطاولة في نهاية المطاف.

فكما أن الخط المستقيم هو أقصر مسافة بين نقطتين، وكما أن المشرع لا يمكن أن يصدر حكمه دون أن يستمع للطرفين المتخاصمين، فإن من البديهيات الثابتة والمسلم بها، تبني خيار الحوار بين الأطراف المتنازعة في الوطن الواحد، وصولاً إلى نقاط التقاء وتفاهمات، تحفظ حقوق الجميع وتصون كرامة أطراف النزاع، كما حدث في تجارب ناجحة عديدة قبلنا.
هناك دائماً حلول ممكنة وإن طال الزمن، فلا مكان لليأس في هذه الحياة، يمكننا أن نحاول ونفشل، ثم نستفيد من تجاربنا ومحاولاتنا، ونحاول وننجح، فقط علينا أن نسلم أن البديهيات هي ما يجمع أبناء الوطن الواحد وأن مصلحته العليا هي الركيزة الثابتة.

إن الحوار والتفاهمات والتسويات هي بديهيات نسمعها ونتناولها يومياً في حياتنا، وكل من يرفض القبول بها، فهو يعيد واقع اليوم إلى الخيال ويجبر الناس على العيش في واقع (معزة ولو طارت).

عندما نجد الناس محاصرين بالمخاوف والأوهام، عندما يصور المستقبل في ظل مشهد واحد، عندما يعلو خطاب أحادي واحد، فمن حقنا أن نفكر من المستفيد؟ عندما تغيب بديهيات مسلم بها لبناء دولة الجميع، وتحاصر العقول ويعاد حشرنا داخل الحظيرة بدعوى الأمن وتوفير ضروريات الحياة، فمن حقنا أن نسأل من المستفيد؟

نجح من يسيطر على المشهد اليوم، بفضل الخطاب المنفلت من أي عقال منطقي. نجح من يسيطر على المشهد في محاصرة أفكار الناس داخل دائرة محددة ومرسومة بدقة، وفي ذات الوقت خالية من البديهيات الجامعة المتفق عليها لإقامة دولة ناجحة للجميع. عندما تسقط البديهيات فلا مكان للعقل والاستنتاج والمنطق، ويعلو نفير الحرب ونفي الخصوم.

من يرفض التحاور مع شركاء الوطن، فهو يرفض المصلحة العامة التي تجمع الوطن. من يرفض الحوار، فهو يتحايل ويلجأ للمبررات، لإيقاف العقل. من يصنع نهاية مسبقة غير قابلة للتبديل فهو يتغاضى عن البديهيات.

عندما نتعلم أن البديهيات هي المظلة الجامعة، سيكون الحوار هو الحل، ليتحمل كل طرف جزءاً من المسؤولية، وتصبح التسويات ممكنة وكرامة الأطراف المتنازعة محفوظة، وحصتهم في إمكانية الوصول للسلطة مصانة بالتفاهمات المتفق عليها بينهم. عندما تكون البديهيات الجامعة هي المنهجية الثابتة، تنمو بينهم بيئة الألفة وتسود الثقة المتبادلة والتي ستنعكس إيجابياً على كل مناحي الحياة في ليبيا المثقلة بالهموم. نزاع اليوم بين أبناء ليبيا الواحدة، هو من أجل وهم وخزعبلات، سوق لها بأنها الحقيقة والبديهة الثابتة. الحقيقة فقط هي في جانب الأغلبية الصامتة، الأغلبية التي تظللها راية وطن جامع لكل أبنائه، وفق قواعد دستور للجميع وليس لطرف واحد يريد بناء دولة وفق هواه.