Atwasat

الحوكمة حين يتم استغلالها

محمد المغبوب الأربعاء 28 أغسطس 2019, 06:21 مساء
محمد المغبوب

هي مجموعة من القوانين والنظم والقرارات التي تهدف إلى تحقيق الجودة والتميز في الأداء عن طريق اختيار الأساليب المناسبة والفعالة لتحقيق خطط وأهداف الشركة أو المؤسسة، وبذلك فإن الحوكمة تعنى تطبيق النظام أي وجود نظام يعمل على التحكم فى العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، كما تشمل مقومات تقوية المؤسسة على المدى البعيد وتحديد المسؤول والمسؤوليات حيث التمييز بين الحوكمة والحكومة – "الحوكمة" هي ما تقوم به "الحكومة" من أنشطة. وهي قد تكون حكومة جغرافية-سياسية (دولة قومية)، أو شركات حكومية (كيان تجاري)، أو حكومة اجتماعية-سياسية (قبيلة، أسرة، الخ)، أو أي عدد من أنواع مختلفة من الحكومات. لكن الحوكمة هي الممارسة الحركية لسلطة الإدارة والسياسة، بالرغم أن الحكومة هي الأداة (بشكل إجمالي) التي تقوم بهذه الممارسة. كما يستخدم تجريديا مصطلح الحكومة كمرادف لمصطلح الحكومة، كما هو الحال في الشعار الكندي، "السلام والنظام والحكومة الجيدة".

بمعنى بسيط جدا هي حزمة من الإجراءات التي يمكن بها ضبط الأداء وشفافية الإجراء كمصفٍ لها من الشوائب وما يعلق بها من عائقات تحول دون أية محاولات للفساد بفعل الفاعلين له.

وهي في الصفحة المقابلة لها تكون الحوكمة يدا صارمة بثقلها يصعب تحرك الإجراءات فتتعطل المصالح العامة والخاصة للناس كما يمكن بها تعطيل أو تجميد عدة قرارات أو إنشاءات جديدة حين يكون القصد منها هي منح الفرص لتجاوزها بحيل وألاعيب الشطار فتصير أداة تعويق كما حدث في بلدان عدة عند تطبيقها للعزل السياسي فقد كان بغاية عدم وصول تيار ما أو أشخاص إلى مصدر القرار فتحول العزل من النعمة إلى النقمة.

الأمر لا يتعلق بكيفية تشفيف الأداء العام للحكومة بقدر ما يشبه الحرب الباردة بين المتصارعين في مواقع القرار.

من الجيد جدا لمؤسسات الدولة فرض الحوكمة على أي قرار ينتج عنه إجراء يتعلق بالأداء العملي كما يتماس مع حجم الإنفاق، فقد لاحظنا قيمة المبالغ المنفقة على مشروع للسكة الحديد بين بلد وآخر، وعند الانتهاء منه يظهر الفرق الشاسع في الجودة وفي قيمة التمويل وكذا في البلد الواحد وبه ندرك أن أحدهما تم تنفيذه بنظام الحوكمة والثاني بنظام (الفساد).

الإجراء الأخير للمؤسسة الليبية للاستثمار التي أقرت الحوكمة على مجالس إدارة شركاتها كافة، أظهر لنا أن فسادا ما كان يتم تمكينه، فإقرارها للحوكمة هو محاولة للوصول إلى الشفافية وحرب على الفساد وهو أمر محمود الفعل لكنه اشتط كثيرا إلى حد الجنوح ناحية الشاطئ، فلم تتم دراسته جيدا وكأنه كان لتفريغ الوعاء لملئه من جديد بآخرين، فالأمر كأنه شخصي جدا دبر له من دبر حيث لم يقدر المقابل الفعلي لتحمل المسؤولية حيث يمكن الدخل الشهري الأكثر لمن هو أقل مسؤولية ويحفز صاحب المسؤولية الوظيفية الكبرى للتحايل علي هذه الحوكمة بطرق عدة كي يكون موازيا لدخل الموظف البسيط.

في كلتا الحالتين يكون فرض نظام الحوكمة مجديا إذا ما تمت مراعاة العديد من الأمور الأخرى حيث يعالج الفروقات الكبرى بين من يعمل وبين من لا يعمل، بين من له خبرة طويلة وبين من هو يعمل بشهادة علمية، وبين من يعمل بروح وطنية وبين من يعمل بمبدأ يقره هو (مال الحكومة غنيمة حلال)، والأكثر من ذلك الذي يعمل لصالح عقيدته السياسية أو يتبع تيارا فكريا، حيث يتم تكييف نظام الحوكمة لسحب الأشخاص الذين هم يعملون باعتبار المهنية قدرة وكفاءة، وملء الفراغ أماكنهم بعصبة من أشخاص يعملون لصالح من يتبعونه، وهكذا يستجد الصراع ليس لصالح المبدأ والقيمة بل لفائدة الفئة والثمن، إذ تضحى الوظيفة مجرد ثمن مادي متمثلا في مال أو منصب يأتي بالمال.

الأهم من ذلك أن هذا النظام يمكن تحقيقه وفق قانون إنشاء الشركة ولا يمكن الخروج عنه إلا بتعديل بعض مواده التي يتم اعتمادها من الجهة المشرعة وهي الآن بين البرلمان أو حكومة الوفاق وغير ذلك يعاد تشكيل مجالس الإدارة وفق قانون الشركة واللوائح المفسرة له، وليس من قبل المؤسسة بل من الشركات التابعة لها وهي تعد جمعيات عمومية للشركات التي أنشأتها حسب القانون ضمن نسق الحوكمة وليس من خارجه.

لهذا يستوجب تدخل قانوني لإقرار القانون نفسه، وإلا سيعد انحرافا عن السياق المتبع لا علاقة له بالشفافية والحوكمة بل بمصالح زمرة لا تهمها إلا مصالحها الخاصة ولو كانت على حساب الصالحين منا المخلصين