Atwasat

مرزق حكاية

أحمد الفيتوري الثلاثاء 27 أغسطس 2019, 03:43 مساء
أحمد الفيتوري

1-
غادرنا غات نهاية القرن الماضي، بعد أن غنمنا دورة، من مهرجانها السنوي، ما يكون نهاية العام، في رحلة العودة، جئنا مرزق لنغنم أيضا بمهرجانها السنوي، في دورته الأولى، كانت الواحات الليبية، دخلت في سبقٍ من المهرجانات. مرزق كي تحظى بالسبق، أعادت بناء القلعة القديمة، لكن قبيل بدء المهرجان الشتوي، باغتتها أمطار منسية، كأنما حلق السماء، انتظر احتفالا لا مثيل له، لتزغرد أمطاره، فتكتسح القلعة، المستعادة من التاريخ المهمل. تهدمت القلعة التي أعيد بناؤها، لأن البنائيين المرزقيين، أرادوا استعادة القلعة القديمة، فبنوا بنفس المواد القديمة / الطين، ما ساح لما غمره الماء، السيول لم توضع في الحسبان، إعادة البناء في دولة الجوار تونس، تتم بالاسمنت، ما يتم تغطيته بالطين: حداثة مواربة.

مرزق العاصمة التاريخية، للجنوب الليبي الأقصى، عاصمة القوافل (سفن الصحراء) الكبرى، منذ أول التاريخ إلى القرن التاسع عشر، تربط غرب القارة بجنوبها، وجنوب القارة بقارة الشمال (أوروبا)، لذا التاريخ لمرزق الجغرافيا، التحديث غير مسار الجغرافيا، فاندثر التاريخ، لم تعد مرزق مرزق، لم تعد الواحة، بعد انبلاج عصر البخار، ثم عصر الطيران، لكن حوض مرزق، ما بدأ كـ (جبانة النخيل)، تفجر كينبوع لإكسير الحياة (النفط) ، فغص بنخيل من فولاذ، حفارات النفط، مرزق المانحة الحياة تموت، لكن الجغرافيا كما يبدو لا تموت، وإن لم تعد طريق الإبل.

الواحات العاطلة بدأت تنتج البطالة، في ساحة المهرجان، كانت مرزق عجوزا هرمة وماضيا زال، في ندوة المهرجان تحدثتُ: عن الفقر الذي يرتع في ساحات الواحة، وعن العطالة التي تطارد الشباب، والتباين في المعاش الظاهر، بين جماعة مقربة للنظام وأخرى مهملة. كان من الحاضرين، محمد التبو أمين اللجنة الشعبية لمرزق (المحافظ)، وكان سابقا (وزيرا)، وقد طلبني إلى لقاء خاص، حيث حاول أن يفهمني، تلميحا، أن سياسة النظام، التي أشرت إليها، ستفرغ الجنوب من سكانه، وأن هذا الفراغ، يجذب البشر المجاورين للحدود الليبية، مما يعني أن الصراع في الواحة، بحاجة لشرر من نار، فمرزق هي بوابة الشمال الأقصى كما يراها، وكانت المحاورة هذه نهاية القرن الماضي.

2-
مرزق الآن حالة ليبية، شعب تحول إلى بطالة مستترة طوال عقود، لا عمل له سوى تلقي النزر القليل، المتمثل في راتب العاطلين عن العمل، حين كانت ثروة النفط تسمى (المجنب)، فتحولت مرزق، إلى ساحة معركة مؤجلة، حول (المجنب) ثروة البلاد، لقد كان العاطلون وما زالوا، كمقاتلين لمن يدفع أكثر من اللصوص الكبار، أمس واليوم (وقد يكون غدا للأسف)، لقد كانت ليبيا ساحة معركة تحت الرماد، جاءت رياح فبراير لتذر هذا الرماد.

الحقيقة المرة، أن التقاتل في مرزق، كما في كل البلاد، بين الأخوة الأعداء، وحوض مرزق ونخيل الحديد، الدافع الأقوى للمعركة القائمة، سواء كانت خامدة أو مشتعلة، أي أن الليبيين تحت أي شعار كان، الثروة المضيعة هي دافع ووقود حربهم، ومن هذا تخمد المعركة لتندلع في مرزق، التي هي في الحقيقة ساحة معركة، حول الوطن البنك/ البنك الوطني، رغم كل المسميات الأخرى والشعارات، والأحلام والأماني الطيبات.

والدليل أنه، حين تسكت المدافع مؤقتا، يعلو رنين النقود، فإذا كان البطل عند العراك: المسلح، فإن البطل عند الهدنة: الفساد، ولخمسين سنة خلون، والحديث يدور حول ثروة البلاد، والنظام السابق قد استحوذ عليها، تاركا البلاد تبيع الريح للمراكب. وأما بعد، فإن الهلال النفطي هو أيقونة علم البلاد، الذي يرفرف عاليا عاريا، كراية للمعركة القائمة في (مرزق/ ليبيا)، الممونة من المركز (البنك المركزي)، ورئيسه الأبدي والأوحد، رمز ليبيا الموحدة منذ 2011م وحتى الآن، خليفة معمر القذافي، المدعو (الصديق الكبير)!.

الاستحواذ هو الرصاصة، ما أطلقت في سماء البلاد، مما جعل من ليبيا، ساحة للعراك، من أجل المصالح والنفوذ للآخر، كما هي ساحة، منذ نصف قرن / سبتمبر 1969/ 2019م ، للاستحواذ في داخل البلاد. وأن تكون مرزق ساحة حرب، فهي ساحة من ساحات هذه البلاد، ما تحولت ثروتها لنقمة، جعلت أحد الصحفيين، منذ عقود يكتب: أحرقوا آبار النفط. ما لم تُحرق، ولكن أحرقت ليبيا لأجلها.