Atwasat

الثروة تهزم الثورة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 25 أغسطس 2019, 01:54 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

في مقال نشره على صفحته مؤخرا بعنوان "كومبرادور" يشير منصور بوشناف إلى أن هذا المصطلح شاع استخدامه في مجال السياسة والثقافة خلال النصف الثاني من القرن العشرين وهو يعني "التابع تمامًا لقوى الاستعمار، سواء كان اقتصاديًا أو سياسيًا أو ثقافيًا" أي أنه مرتبط بالتبعية والامتثال لإرادة القوى الاستعمارية.

وحسب القواميس الإنغليزية التي استشرناها فإن الكلمة برتغالية ظهرت في القن السابع عشر وتعني المشتري، ودخلت القاموس الإنغليزي سنة ، 1840 ويقصد بها العميل الصيني الذي يشتغل وكيلا في بلاده لشركات أجنبية. ومع انتشار الفكر الماركسي وظهور حركات التحرر، في القرن العشرين، أصبحت تعني النشاطات الاقتصادية الاستهلاكية، الطفيلية، سريعة المردود والمعتمدة على الوكالة للأجنبي (الأوربي والأمريكي) ولا تؤسس لاقتصاد إنتاجي، زراعي وصناعي، يسهم في تحرير البلد من التبعية الاقتصادية وبالتالي السياسية.

ارتبط الاقتصاد الكومبرادوري في الوطن العربي والعالم، وكما يشير منصور بوشناف، بالبلدان النفطية، تحديدا دول الخليج قليلة السكان، التي أصبحت تمتلك فائضا هائلا من الثروة. ويرى بوشناف أن هزيمة حركة التحرر القومي العربية (ممثلة في قيادتها الأبرز، مصر في ظل زعامة عبد الناصر) أمام إسرائيل يونيو 1967، جعلت هذه الدول الكومبرادورية تشعر بانكسار الخناق الذي كانت تلفه حول رقبتها حركة التحرر القومي بقيادة عبد الناصر.

من جانبي أعتقد أن العامل الحاسم لم يكن تلك الهزيمة، التي كان يمكن، نظريا، الخروج منها وقلبها لاحقا (الانتصار المبتور في حرب أكتوبر 1973 مؤشر على ذلك) وإنما هو العامل النفطي، الذي أشار إليه منصور إشارة عابرة.

هذا العامل جعل القيادة السياسية للمنطقة "تتحول من بلدان الثورة إلى بلدان الثروة" مثلما عبر أحد الكتاب المصريين. فلقد صعد سعر برميل النفط من أكثر من 3$ دولار سنة 1970 إلى أكثر من 12$ دولار سنة 1974 وتجاوز 13$ سنة 1978 ليصل إلى ما فوق 35$ سنة 1981. ورغم أن زيادة سعر النفط كان مطلبا وطنيا، إلا أنه استثمر من القوى الاستعمارية الغربية. لأنه كانت هناك بحوث ودراسات عن الطاقة البديلة وكان يتوقع أن تكون عالية التكلفة، فلا بد من رفع سعر مصدر الطاقة الحالي كي لا يحجم المستهلكون عن استهلاك الطاقة الجديدة المحتملة بسبب فارق السعر الشديد.

لكن مردود الثروة من مصدر الطاقة هذا صار سلاحا ماضيا في أيدي "بلدان الكومبرادور" ليدعم حركات الإسلام الأصولي ويمكنها من أن تصول وتجول، بسهولة واقتدار، في الوطن العربي والعالم الإسلامي منفقة الأموال الطائلة على نشر الفكر الوهابي المتصلب.