Atwasat

«سوف نبقى هناك» .. في مضارب بني مُرّة

أحلام المهدي السبت 24 أغسطس 2019, 03:56 مساء
أحلام المهدي

تلهث الجغرافيا ولا تدرك شيئا من عطايا الآلهة، ويتوقف التاريخ عاجزا عن كتابة المزيد من الهراء، ويدور دولاب الزمن فيدهسنا لأننا نرفض التحرك معه.
هناك في مضاربنا القائمة على جبّانات الأولين عقدنا رُكَبنا وقلنا «مرحب بالجنة جت تدّنّ»، أضرمنا النار في حَطب العمر بأيدينا المرتعشة ورمينا فيه أطفالنا الذين حرقناهم حتى لا نراهم يصطفقون من البرد.
في مضاربنا ثمة أذرع خفية تتحكم بنا وتشدنا إليها بإحكام، نغادرها أحيانا لنعود إليها مثقلين بالحنين، وعلى أرضها يموت الحنين وتولد الخيبات!
تعودنا على موت فرسان القبيلة وحكمائها وأطفالها ليعيش سادتها ولصوصها، أما النساء فلا يفعلن شيئا، فقط يزغردن على رؤوس من ماتوا، وينجبن المزيد من المشاريع المؤجلة لجثث.
في مضاربنا نشحذ السكاكين ونقدمها لكل من يهم بذبحنا، لا نعرف السُّكّر إلا طعاما للنمل وللمارقين ونشرب نحن منقوع "الحرمل" حتى الثمالة، نزيّن الحلوى بأعواد "الرتم" ونصنع الشاهي من الجلود اليابسة للعابرين.
نحرث الجبانة كل يوم لنزرع فيها الأشلاء الرطبة، ونصلي صلاة الاستسقاء فتمطر السماء دما ودموعا.
في الملهاد الكبير نشارك جميعا في رمي الحجارة على من يحاول تعليمنا كيف نكتب أسماءنا بالحروف والأرقام، وكيف نستخرج العطر من زهور "القندول"، تجعله ضرباتنا ينزف حتى الموت لتحتل خيمته عجوز منّا تعلمنا السحر وجلب الحبيب ليسُفّ التراب المتراكم في مهاجع بناتنا.
في مضاربنا ملعب واحد يتسع للعشرات فقط، وبنكينة تتسع للعشرات، ومدرجات كبيرة يجلس فيها البقية ليشاهدوا مباراة لا تنتهي أبدا.
لا ننتظر الرياح فلا سفن لدينا لتخرق مشيئتها، ولا نملك إلا أن نلبس ما تحيكه لنا يد الأيام من أسمال الرجاء والدعاء، هذا ما يقوله نصفي المتشائم ليتلقى صفعة من نظيره المتفائل فيصمت فورا ويطير بعيدا على جناح من أمل.