Atwasat

تداعيات ( بابور بالا): 2-3

محمد عقيلة العمامي الأربعاء 14 أغسطس 2019, 09:32 مساء
محمد عقيلة العمامي

بدا لي أنه متزن، أنيق الهندام.. قميصه (المشماشي)، مفتوح من دون رباط عنق متسق تماما مع بدلته البنية. حذاؤه البني نظيف. لم أنتبه إلى عدم استقرار عدستي عينيه الزائغتين، فلقد انشغلت بمراقبة التواء شفتيه الدقيقتين المتسقتين مع أنفه المدبب فوق وجهه النحيف المغطي بشعر خفيف كشعر دمية.

عندما جلس قبالتي استقرت قدمه اليمني فوق الأرض، أما الثانية فلم يستقر منها سوى المشط أما باقي القدم والساق فأخذا يهتزان من أسفل إلى فوق في حركة متصلة لم تتوقف حتى بعدما مال نحوي، ملوحا بصحيفة ملفوفة في قبضته، وهو يقول: «أنا استغرب كثيرا – يا أستاذ محمد – كيف يستطيع كاتب يدعى النزاهة والصدق أن يتعمد تغيير اسم راوي قصته، في حين أنه يذكر بقية شخصيات حكايته بأسمائها الحقيقية، خصوصا وأن القصة حقيقية وموثقة، والناس كلها تعرف ذلك!؟».

لم أستوعب السؤال، ولم أفهم هل كان يقصدني شخصيا، أم أنه يقصد كاتبا غيري؟ شدتني نظرته (الهولمزية) المتفحصة. والحقيقة أنني لم أستطع أن أقرر إن كانت مستفسرة أم عارفة، جادة أم ساخرة.

«سامحني».. قلت له: «لم أفهم تماما ماذا تقصد؟» أجابني سريعا :

«لماذا غيرت اسم سائق القنصل من مسعود إلى رضوان في قصة (بابور بالا)؟» لم ينتظر جوابي و إنما واصل: «هل ذلك بسبب حقدك على صهره؟ كلنا نعرف قصة نزاع شقيقك معه بسبب شقة سيدي حسين؟.. قاطعته: «على رسلك.. أولا: أنت من؟».

«خليفة مسعود.. ابن سائق القنصل يا أستاذ..». قاطعته لأن صوته ارتفع، وأيضا ذراعه الممسكة بالصحيفة المطوية: «يا أستاذ خليفة، لا شقيقي، ولا أحد من عائلتي لديه نزاع مع أحد.. لا على شقة ولا على عمارة. ثم تأكد أن شخصية رضوان سائق القنصل خيالية لا وجود لها إلاّ في خيالي...» قاطعني محتجا:
 
«كيف؟ الصحيفة الإيطالية، التي كتبت قصة غرق البابور، ذكرت أن القنصل الإيطالي هو الذي استلم الفتاة (أرمانا) ووالدي هو من عاد بهما من الميناء، لأنه يعمل بالسفارة آنذاك..».
«أتقصد من أيام الطليان.. يعني منذ أن كانت ليبيا مستعمرة إيطالية؟».
«نعم ، يا أستاذ. لو أنك تريثت ودققت لعرفت ذلك من دون أن يضيع حق أحد بسبب تسرعك!».
 
لم أدر ماذا أقول؟ ورأيت أن أنهي هذا النقاش، فالرجل بدا لي (خارج نطاق التغطية!) فاعتذرت له عن هذا الخطأ غير المقصود، ووعدته بتصحيحه مرة ثانية وانتهزت أول سانحة وفارقته.
 
لعلني تبسمت، أو أنني ضحكت، من فكرة سفارة لإيطاليا في مستعمرة من مستعمراتها، فلقد استوقفني صديق مستغربا، فقلت له: «تذكرت صديقا استغرب كثيرا من عدم وجود سفارة ليبية في طرابلس؟ على الرغم من معرفته أن لكل دول العالم سفارة في طرابلس.. إلاّ ليبيا!».