Atwasat

تكريم الآخرين تكريم للذات

أحمد الفيتوري الثلاثاء 06 أغسطس 2019, 02:23 مساء
أحمد الفيتوري

أسأل الأرض: كيف تعيش الأرض مع الأرض؟
يُكرِمُ بعضنا بعضا.
أسأل المياه: كيف يعيش الماء مع الماء؟
يملأ بعضنا بعضا.
أسأل العشب: كيف يعيش العشب مع العشب؟
ينسج بعضنا بعضًا حتى نخلق آفاقًا.
الشاعر الفيتنامي: هُوُ تْرِنّ

• مبادرة
حضرت خلال الأيام الماضية بالقاهرة، لقاءً في ذكرى الشاعر المصري حلمي سالم، من ربطتني به علاقة طيبة، ومن دوافع تواجدي في اللقاء، المبادرة التي أعلنت، بجعل جائزة سنوية للشعر بأسم الراحل حلمي سالم، وقيمتها المادية، إلى جانب طبع الديوان الفائز، خمسة الآلاف جنيه مصري أي حوالي 400 دولار.

لقد تبرع الأصدقاء والمحبون بقيمة الجائزة، والدرس المستفاد من هكذا مبادرة، دلالة أنه بالإمكان، أن يكون للفرد دور في الإعلاء من قيمة الشعر، والاحتفاء بالشاعر من خلال مبادرات شخصية، وأن هكذا جائزة، كما هو واضح وجلي، قيمتها في موضوعها، وبعيدة كل البعد عن القيمة المادية، ما بدأ مؤخرا سبيل الجوائز الشهيرة، ما تحولت من رأسمال رمزي، إلى مؤسسات مالية، مصابة بكل شائن ومعيب في السوق والاستهلاك، حتى أن جائزة نوبل أمست، جائزة ميزانها العلاقات الجنسية.

وفي اللقاء تذكرت أن الصديق المحامي هاني الكيخيا، سنوات ثورة فبراير الأولي، قدم فكرة رعاية جائزة بسم الشاعر الليبي محمد الشلطامي، من قبل بيت الثقافة في بنغازي/ بيت آل الكيخيا، حينها فكرته، التي لم تنفذ بعد، تحمل روح المبادرةالمعلن عنها، الخاصة بالشاعر حلمي سالم، وكمثل هذه الجائزة توجد جوائز عدة، قائم بها جهة خاصة أو أفراد وحتى فرد، وفي مجالات عدة، كالعلم، والفكر، والسياسة، والآداب، والفنون والرياضة، والمجتمع المدني...إلخ.

وذكـرى
خلال الفترة الماضية فقدنا، الكثير من الشخصيات النيرة في ليبيا، وفقدتُ على المستوي الشخصي أصدقاء منهم: أستاذ الفلسفة بجامعة بنغازي، الكاتب الناقد والمترجم حسين مخلوف، والمناضل فؤاد الدغيس، وأحمد إبراهيم الفقيه، والفنان عبد المجيد حقيق، والكاتب على الويفاتي، سعيد المزوغي، عبد الرسول العريبي، والمفكر يوسف القويري....وآخرون، جميعهم ساهم بدوره في وضع أس، لمكنة أن تكون البلاد أبدع مما كان، وإن لم تتحقق أحلامهم وأمالهم بعد، فإنهم وضعوا حجر الأساس.

1- حسين مخلوف
أول معرفة مباشرة بيننا، حين شاركت مطلع السبعينات في برنامج تلفزيوني، كان يعده علي شكل مسابقات بين الحاضرين في الأستوديو، حينها كنت طالبا غرا ومازلت، طالبا في مدرسة عمر المختار الإعدادية، فزت في تلكم الحلقات الثلاث المتتالية، وكان يقدم البرنامج المذيع علي أحمد سالم، الذي مثل شخصية بلال في فيلم الرسالة الشهير، سلمني المذيع جهاز تسجيل جديد، من نوعية مستحدثة، لكن المعد حسين مخلوف لم يكتفِ بذلك فسلمني هدية منه، مجموعة كتب، منها كما أذكر كتب مسرحية مترجمة: فكان أستاذ العلوم يروج الدراما.

فيما بعد شاهدت المعلم فيه، يحتفي بكل تلميذ متمرد، رغم تشككه وانزوائه، ظل هاجسه أن يكون ظلَ كل يانع، ورغم أنه كان متيقنا، من شكوكه في لبوس المرحلة، فقد ظل أيضا متيقنا، أن أجمل ما في الحياة أن أوهامنا معنا.

2- أوفنايت الكوني
قبل من هذه الأيام بأعوام قليلة، رحل من هم أيضا، شاركوا بفاعلية في الذود عن الغد، ما لم يأت بعد، لكنهم جسروا الطريق إليه، كالمناضل نوري الكيخيا، المناضل والصحفي فاضل المسعودي، المحامي عبد الله شرف الدين، المناضل عبد الحميد البشتي، الشاعر محمد الفقيه صالح، البرلمانية أمال بعيو، الكاتب والصحفي ادريس المسماري، والفنان على بحيري والتشكيلي يوسف معتوق، الباحث أوفنايت الكوني، من كتب في قصاصة منشغلا بالأرض: "الأرض تختنق: اختتم مؤتمر المناخ، وبقيت اتفاقية (كيوتو) تائهة بين القارات، وقد تضل طريقها لتغرق في أحد المحيطات، أمس كوبنهاجن، واليوم الدوحة، وغدا ربما لن يأتي أبدا! ندوات، لقاءات، اجتماعات، وتغطية نفقات، ننتظر الاختتام فيأتي البيان معلنا، عن انتصار قوى التحالف التي لا تقهر: (نحن وبعدنا الطوفان )، أما الدول النامية، والأجيال القادمة فلتذهب للجحيم !، (والعظم الهش الله لا تجبره. (إذا لا جديد يلوح في الأفق، صراع على قطرات نفط وجرعات ماء، وكل ثمين نفيس دفين. والفقراء غير قادرين على إنقاذ الأرض، بشر ينتشر، ويفترس، أرواح تزهق، ودماء تسفك! بحار وأنهار لوثت، كائنات انقرضت، وأخرى تتساءل أي ذنب اقترفت، قبور نبشت، خلل أربك التوازن، احتباس حراري يهدد وجودنا، غازات سامة أفسدت هواءنا، حرارة الأرض ترتفع، الغابات تحترق، نحن نختنق !.. طبقة الأوزون تحذر، الغلاف الجوي اخترق فتمزق، سطح الأرض مستباح، أعماقها نهبت، بلدان بالزلازل والأعاصير دمرت، صحارى زاحفة، قرى تحت كثبان رمل طمرت، نفايات في كل مكان دفنت، خضر وبيض وسود عن إيقافها فشلوا! والسماء غاضبة، فيضانات تكتسح هنا، وسحب تتلاشى هناك، الطبول تقرع، والإنسان هلوع لا يشبع، لازال يرتع يجمع غنائم العصر، لمصائب الدهر! العلماء يحذرون، والأرض ضاقت بأثقالها. مسكينة مثخنة بجراح عميقة، لا تنام ولا تغفو في رحلتها الأبدية حول نفسها، حاملة أيضا أشرارأ كثرا على ظهرها. ويوم الخلاص قريب، والجميع سوف يرحل بخفي حنين، وخاويَ اليدين إلى أحضانها، عندها يتحول كل شيء إلى عفن وقمامة نتنة، والكنوز أيضا سوف تتحرر من عبودية ملاكها، فتنفصل لتلتحم بأصولها.".

وبعد
ذكرت بعضا ممن غادرنا قريبا، وشكل ذاكرة الوطن، وهناك من ودعنا قبل، ممن شكل ذاكرة وطن، شكل الحياة الآن وهنا، ووضعوا متشاركين، الغد الذي يبدأ اليوم، وتكريمهم تكريم للذات واحتفاء بالحياة، ما تعني أن التكريم يجب أن يطال أيضا الأحياء، لأن هكذا تكريم محفز للفعل وللقدوة.  

و أشير على سبيل المثال إلى أن تجمع تاناروت بمستطاعه رسم جائزة، للنقد النظري والتطبيقي والبحث في الأدب، من خلال أصدقاء وتلاميذ الناقد حسين مخلوف، وكذا الجمعية الليبية للآداب والفنون التي يمكن تسميتها مثلا جمعية يوسف القويري للآداب والفنون، ومؤسسة الوسط ورئيسها محمود شمام، بمكنته وضع جائزة بأسم نوري الكيخيا للدراسة والبحث في العلوم السياسية والإعلامية، وأوفنايت الكوني بمستطاع آل الكوني، بالتعاون مثلا مع جامعة سبها، وضع جائزة لجمع وبحث ودراسة المأثور الشعبي والفلكلور، والتكريم ليس بالجوائز فحسب، بل تكوين جمعيات، ومراكز بحوث مختصة وما شابه، الأهم أن تكون هناك مبادرة: بالإمكان أبدع مما كان...