Atwasat

باي..باي تيريزا

جمعة بوكليب الإثنين 22 يوليو 2019, 12:19 مساء
جمعة بوكليب

السيدة تيريزا ماي، رئيسة الوزراء البريطانية، بعد انقضاء 3 سنوات كاملة، من الهرولة في المكان، ستسلم، أخيراً، يوم الأربعاء القادم، مفاتيح مكتبها، في 10 داوننج ستريت، إلى المرشح الفائز في انتخابات الزعامة، ومن المرجح جداً أن يكون السيد بوريس جونسون.

لا أحد سيذرف دمعاً، على غيابها من المسرح، ولا أحد سيفقتدها، بل إن خروجها منه، سوف يجعل الجميع، يمينا ويساراً، يتنفسون الصعداء، وكأن حملاً ثقيلاً قد انزاح أخيراً،عن كاهل البلاد عموماً، رغم علم الجميع أيضاً، يمينا ويساراً، أن البديل القادم، لن يكون أفضل حالاً.

المأزق الحالي لبريطانيا العظمى يتجاوز الأفراد والأحزاب ليطال النظام بأكمله، في بلد مازال مسكونا بأوهام ماضٍ إمبراطوري، لم يعد له وجود.

منذ رهانها على إجراء انتخابات نيابية خاطفة عام 2017 ، بعد أقل من عام على توليها المنصب، ثم خسارتها لأغلبيتها البرلمانية في تلك الانتخابات، ابتدأ العد العكسي لخروجها من الساحة، لكنها بعناد تحسدها عليه بغال الدنيا، رفضت الاعتراف بما كانت الأيام والحوادث تضعه أمام عينيها من أدلة على فشلها، مما أهلها لاستحقاق لقب أسوأ رئيس وزراء شهدته بريطانيا في مرحلة ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

ساعة الخروج من المسرح، حان آوانها. يوم الأربعاء القادم، ستحضر جلسة مجلس النواب، كرئيسة للوزراء، للرد على أسئلتهم، للمرّة الأخيرة. ولدى حلول المساء، ستتلاشى محملة بأثقال خيباتها، ورعونتها السياسية. وبالطبع، ستكون وسائل الإعلام متواجدة لتسجيل وتوثيق تلك اللحظات. ومن الممكن أنها لن تتمكن من إلقاء كلمة وداع أمام الكاميرات بسبب بكائها المتوقع. وفي نفس ذلك المساء، القادم حتماً، سيشغل ساكن جديد، بجسد ثقيل،غرف الشقة في 10 داوننج ستريت، وكذلك كرسي المكتب الشاغر، الذي سوف يدخله إلى قائمة المحظوظين الذين شغلوه قبله، من رؤساء الوزراء طيلة قرون.

تيريزا ماي، كان يظن أنها ستكون تاتشر ثانية، سيدة حديدية، برؤية سياسية، وعزم لايلين. لكن هذا الوهم سرعان ما بددته رياح الواقع، ونزعت ورقة التوت عن صاحبته، فبدت على حقيقتها، امرأة عنيدة، لاتنصت إلا إلى أوهامها، واضعة الجميع، من خارج دائرتها الصغيرة، في خانة الأعداء. السؤال هو كيف يمكن لشخص غير كفؤ، ولا يملك شيئاً من مقومات القيادة وما تتطلبه من قدرات، البقاء كل هذه الفترة، في ذلك المنصب؟

لكنها، من جهة أخرى، كانت مفيدة لحزبها حينما احتاج إليها لحراسة مقر رئيس الوزراء كي لا يدخله جيريمي كوربون، رئيس حزب العمال، حتى يتمكن الحزب من اختيار البديل.

ثلاث سنوات، وهي متحصنة وراء المتاريس، في ذلك المقر، تمارس رياضة الهرولة في المكان، دون أن تقدم أي تشريعات مهمة، أو ذات بال، في وقت كان يتطلب فعل الكثير، وكل همها أن تجد حلاً لمشكلة "البريكست"، التي تعرف مسبقاً، أنه ليس بمقدورها وحدها، إيجاد حل لها، لشدة تعقيدات تفاصيلها، ولما خلقته من انقسام سياسي واجتماعي في البلاد، ومع ذلك، واصلت بعناد ممارسة عبث لاطائل منه، حتى دنت الساعة، وأُجبرتْ على الوقوف أمام وسائل الإعلام باكية، لتحدد موعداً لخروجها من داوننج ستريت.

وإنصافاً لها، يمكن القول إنها أفضل من سلفها ديفيد كاميرون، وما انتهجه من سياسات متقشفة قاسية، ابتدأت بمضاعفة الرسوم الدراسية الجامعية، وتخفيض قيمة المساعدات الاجتماعية، والأسوأ من ذلك كله، أنه رضخ لأعضاء حزبه المعارضين للبقاء في الاتحاد الأوروبي، وفتح الأبواب مشرعة أمام إجراء استفتاء، ثم بعد ذلك، أعلن استقالته، وانسل مختفياً، تاركاً البلاد غائصة في أوحال فعله.

البديل، ممثلاً، على الأرجح، في السيد جونسون، سيأتي محملاً بالوعود، وفي الواقع العملي تبين أنه ليس قادراً حتى على حل مشاكله العائلية، أو حتى على تنظيف سيارته الخاصة التي تشبه مكب قمامة. ويضم، في جرابه المهني، ملفات من الفشل والمصائب وسوء التقدير، والتسرع في إصدار الأحكام، ما يكفي لعدم استحقاقه المنصب. وما تركه من إرث، فيما تولاه من مناصب، أو لدى توليه عمادة لندن لمدة ثمانية أعوام، دليل عليه وليس لصالحه. وما تركه من إرث كوزير للشؤون الخارجية والكومنولث، شاهد آخر على عجزه. لكنه محظوظ، ومحبوب من كوادر الحزب لظرفه ولخفة دمه. وفي الأخير، رزق الهبل على المجانين.

وبالتأكيد، فإن هذه المواهب الأخيرة، وحدها، ليست كافية لإقناع زعماء 27 دولة أخرى أعضاء في الاتحاد الأوربي، بالجلوس إلى مناضد التفاوض، من جديد، لإعادة التباحث حول الخروج البريطاني. ويقيناً، أن طريق الخروج الحالي مسدود من كل النواحي، والخروج من المأزق لن يكون إلا بحل البرلمان، والدعوة لانتخابات برلمانية جديدة. وفي هذه النقطة، تحديداً، سيكون مربط الفرس.