Atwasat

"إذا صح"

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 21 يوليو 2019, 12:37 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

يبدو أن التعصب هو الشعور الأساسي لدى البشر. لقد كان، في بدايات تكون المجتمعات الإنسانية، الإطار العام الذي يحمي الجماعة ضد الجماعات الأخرى ويبعد عنها الترهل والذوبان. أي يحمي تميزها السلالي والثقافي العام، ويدعم تماسكها. ولا نعني هنا ضرورةَ ارتباط التعصب بالعداء والحروب. إلا أنه يشكل أرضية خصبة لذلك وعاملا محفزا، من خلال اقترانه بالعنصرية. والعنصرية، هي الأخرى، لا يخلوا منها أي مجتمع. فهي موجودة في المجتمعات "المتخلفة" والمجتمعات "المتقدمة" على السواء. إلا أنها، في هذه الأخيرة، أقل حدة، وثمة قوانين تكافحها وتحد منها وتجرمها.

لغة يعرف التعصب، حسب لسان العرب: "التعصب من العصبية. والعصبية: أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته والتآلب معهم على من يناوئهم ظالمين كانوا أو مظلومين. وقد تعصبوا عليهم إذا تجمعوا فإذا تجمعوا على فريق آخر قيل: تعصبوا..

والعصبة: الأقارب من جهة الأب لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم أي يحيطون به ويشتد بهم. وفي الحديث:(ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية).

والتعصب: من العصبية. والعصبية: أن يدعو الرجل إلى نصرة عصبته، والتألب معهم على من يناويهم، ظالمين كانوا أم مظلومين [...]. والعصبة : الأقارب من جهة الأب; لأنهم يعصبونه ويعتصب بهم، أي يحيطون به ويشتد بهم. وفي الحديث: ليس منا من دعا إلى عصبية أو قاتل عصبية . العصبية والتعصب: المحاماة والمدافعة".

و "يعرّف تينو ليشتسار مصطلح التعصب على أنه السعي وراء أو الدفاع عن شيء ما بطريقة متطرفة وعاطفية تتجاوز الحدود الطبيعية" [ويكيبيديا]. أي يتجاوز حدود المنطق والعقل. إذ يكرس المرء طاقة تفكيره ليس في البحث عن الحقيقة، وإنما في "إحقاق" الخطأ والدفاع عنه بحجج تبدو مضحكة أحيانا.

لن نتحدث هنا عن التعصب الفردي الذي يرفض فيه المتعصب التسليم بصحة فكرة الآخر وخطأ فكرته، ولا عن التعصب الجماعي، الديني والقومي والقبلي، مثلا، ونقصر حديثنا عن "التعصب الجهوي" الذي هو تعصب جماعي، بل وجمعي. وهذا التعصب يكون داخل حدود الوطن.

في اعتقادنا، أن حالات التعصب الجهوي في البلدان الأخرى لا تأخذ طابعا حادا يشارف حدود الكره والحقد، وإنما تظل هينة وفي المستويات غير الممرضة للمجتمع والمضرة بجسده ووظائفه الحيوية. إلا أنه في ليبيا يتخذ هذا الطابع الشنيع.

فقد تكشفت الأحداث التي جرت في ما يقارب السنوات العشر الأخيرة عن وجود تعصب بشع بين الشرق والغرب الليبيين. والغريب في الأمر أن هذا التعصب لا ينطلق من قواعد دينية أو طائفية أو مذهبية أو إثنية، وإنما هو تعصب جهوي صاف "لوجه التعصب أو التعصبية". ومن دلائله في الفترة الأخيرة أنه عندما تحدث حادثة تضر بالأمن في الشطر الآخر أبادر، فورا، إلى إدانتها والتشهير بها، باعتبارها علامة على الفوضى الأمنية هناك، وعلى غياب السلطة أو طبيعتها اللاشرعية. ولكن حين تقع حادثة مماثلة في الشطر الذي أنتمي إليه أقول، إذا حدث وأن تطرقت إليها، "إذا صح". في الحالة الأولى: كل ما أسمعه أعتبره "صحَّ" وأنه وراء أي شك ولا يحتاج إلى أي تريث، أما في الحالة الثانية فينبغي التأكد أولا من أن الخبر قد "صح". في الحالة الثانية "إذا صح" أن ملائكة الشطر الذي أنتمي إليه قد ارتكبوا هذا الفعل، وحاشاهم من ارتكابه، فلا بد أن ثمة سببا ضروريا في إتيانه، وللضرورة أحكام، طبعا. لكن شياطين الشطر الآخر فهذا دأبهم وديدنهم ولا يستغرب صدور الشناعات عنهم. فالشيء من مأتاه لا يستغرب، مثلما يؤكد القول المأثور.