Atwasat

قطر والإمارات: المتشابه والمختلف (4/2)

أحمد معيوف الأحد 07 يوليو 2019, 01:26 مساء
أحمد معيوف

قطر والامارات: المختلف (1)...
لعل من المفارقات في المختلف بين قطر والإمارات أنه مبني على المتشابه بينهما، فتدخل الإمارات وقطر وعلاقاتهما الخارجية مبني على تغدية الخلافات من أجل تعزيز تواجدهما في تلك المناطق التي سمحت لهما الظروف أن تكونا لاعبين فيها، ومبني على سعيهما لأن يكون لهما دور ريادي حتى وإن غذيا هذا الدور بتعزيز الفرقة والفتن. وقد مكن لهما نجاحهما الاقتصادي وطبيعة العلاقات الدولية من اللعب بحرية كبيرة في مناطق النزاع خاصة، وفي استثمار الخلافات الدولية أيضا خاصة في منطقة الخليج. لنتعرف أكثر على هذا الأمر، علينا أن ننظر قليلا إلى أمرين، الأول علاقة هاتين الدولتين بالمملكة السعودية والدول الإقليمية، والأمر الثاني علاقتيهما بالتيار الإسلامي.

العلاقات السعودية الإماراتية تتسم بالجيدة ظاهريا، إلا أنها متردية فعليا بسبب ما ينظر إليه على أنه توجهات “حداثية” لدولة الإمارات تتصادم مع التوجهات “السلفية” للمملكة السعودية، حيث أن الإمارات تعتمد على النظام الليبرالي وتنادي بفصل الدين عن الدولة، وتقدم نفسها على أساس أنها البديل التقدمي في المنطقة، وهي قادرة على هزيمة الإسلام المتطرف. وقد فضحت الويكيليكس طبيعة هذه العلاقة حين سربت رأي محمد بن زايد الذي يقول فيه "السعوديون ليسوا أصدقائي الأعزاء وإنما نحتاج لأن نتفاهم معهم فقط".

ورغم أن إيران تمثل العدو المشترك بين السعودية والإمارات، إلا أن الإمارات كانت قد رحبت بالاتفاق النووي الإيراني، وقد وظفت الإمارات الأزمة الإيرانية الغربية في خدمة اقتصادها المحلي. ففي حين قلصت الإمارات علاقاتها الدبلوماسية مع إيران وسحبت سفيرها، إلا أن معدل التبادلات التجارية بين الإمارات وإيران كبير جدا، تفيد العديد من التقارير بأن دولة الإمارات هي أكثر دول العالم تصديرا إلى إيران، وتشكل صادراتها إلى إيران ما يقارب 29 بالمئة من إجمالي مستوردات إيران، وناهز حجم التبادل التجاري بين البلدين 30 مليار دولار عام 2016. وتصف دولة الإمارات علاقتها بإيران على أساس أنها علاقة اقتصادية وليست سياسية، إلا أن تدخل الاقتصادي بالسياسي يكذب هذا الادعاء.

الإمارات تشارك دول الخليج في التحالف المعروف باسم عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن، ومع ذلك تشير بعض المصادر إلى أن الإمارات تحتفظ بعلاقات جيدة مع الحوثيين، مما دفعها لتسريب موعد بدء عملية "عاصفة الحزم" لأحمد صالح، وحاولت إنقاذ أبيه المخلوع الراحل علي عبدالله صالح.
وفي حين كانت العلاقات الإماراتية التركية على درجة عالية من التعاون الدبلوماسي، ويتقاسم الجانبان علاقات ثقافية وعسكرية واقتصادية واسعة، كما تعد تركيا واحدة من أكبر الشركاء التجاريين للإمارات، إلا أن هذه العلاقة اعتراها الوهن في الآونة الأخيرة بسبب موقف الإمارات من جماعة الأخوان ودعمها للرئيس السيسي، وزاد هذا الوهن عقب الاتهامات التركية بتورط الإمارات في المحاولة الانقلابية ضد حكومة أردوغان.

موقف الإمارت من الإسلاميين هو أهم المواقف الذي يوجه جزء كبير من سياساتها الخارجية وتدخلاتها المعلنة والخفية، ويعود السبب، حسب بعض التحاليل، إلى الدور المصري في الإمارات. فشعب الإمارات، كغيره من الشعوب العربية، تتلمذ على أيدي الاساتذة المصريين في منتصف القرن الماضي، فنقل الأساتذة الوافدون تجربتهم الحزبية والتي تمثلت في تياريين رئيسيين هما التيار القومي الناصري والتيار الإسلامي الأخواني، وكان هذان التياران على جانب كبير من العداء. كما ساهم ضباط الأمن المصري في بناء وتأسيس الأجهزة الأمنية الإمارتية، ونقلوا لهذه الأجهزة عقيدتهم القومية التي تتقاطع وتتصادم مع التيار الديني. لذلك، فعلى المستوى الرسمي كان هناك عداء صريح منذ البداية وعدم ثقة في الحركة الإسلامية، لكن طبيعة المجتمع تتماهى مع الدين، وبالتالي كان حظ التيار الإسلامي في الانتشار أكبر على المستوى الشعبي، فتكونت جمعيات دينية في الإمارات كجمعية الإصلاح، ولخشية الإمارات من حدوث تحولات سياسية قد تمكن هذه الجمعية عالية التنظيم من الحكم كبديل عنها سعت إلى استهدافها وطالبت بحلها. وقد عبر محمد بن زائد عن هذا الخوف في وثيقة سربتها الويكيليكس يتحدث فيها عن الجيش الإمارتي ويشير إلى عدم ثقته بولاء الجيش وقوات الأمن، فيقول: إن 60-80% من القوات المسلحة الإمارتية قد يستجيبون لنداء شيخ من شيوخ مكة.

وهو ما يفسر استعانة حكام الإمارات بشركة بلاك ووترز (Black Waters) من أجل حمايتهم، كما يفسر مشاركتهم لاحقًا في الانقلاب العسكري على حكومة الإخوان المسلمين في مصر. وتكشف وثيقة أخرى إقرار محمد بن زايد –الحاكم الفعلي - بمحاربة الإمارات لكل أشكال "التطرف الإسلامي" في مناهج التعليم التي وصفها بأنها قد وُضعِت من قبل الإخوان المسلمين قبل أن يتم تغييرها في إطار الحملة التي تخوضها الإمارات لمحاربة التطرف. وجاء في إحدى الوثائق أن عبد الله بن زايد لا يرى في الأمراء السعوديين الأصغر سنًّا أي وجوه واعدة، وأن النظام السعودي لا يسمح إلا للفاسدين وأولئك المتحالفين مع شيوخ الدين بالوصول إلى القمة. ويتجاوز عداء الإسلاميين حدوده في تحالف الإمارات مع مصر والأردن في تأييد التدخل الروسي في سوريا دعما لحماية النظام السوري في محاربة الجماعات الإسلامية، والذي لا شك ساهم في تأجيج الصراع وأطال أمده ألى أجل غير معروف.