Atwasat

مشاهد من البيت الكبير

سالم الكبتي الخميس 04 يوليو 2019, 03:53 مساء
سالم الكبتي

(.. واْحيانا يكون الحب صدا)

رفيق. شاعر الوطن

فى البيت الكبير كانت ولادته ونشأته. وطنية وحنان رئيس العائلة عمر فخرى المحيشى والحاجة صالحة المهدوي أم الجميع وأنفاس شاعر الوطن أحمد رفيق. والصالون الذي فوق يمتليء بالرواد والرجال من كل مكان. والمطبعة والكلمات والحروف تشق الظلام وتنير الدروب. والبحر القريب وسوق الجريد ومعالم المدينة.

البيت الكبير هناك يشمخ. لدينا من البيوت الوطنية اْيضا الكثير. لايقتصر ذلك فقط على بيت الأمة في القاهرة والخرطوم. بيتنا الكبير تلتقي فيه كل الأطراف. لايتداعى إلى حزب أو طائفة. إنه مستودع وطنية وكفى. بنغازي وليبيا بيت كبير للجميع.

فتح الصبي الأسمر بصره على هذه الأجواء.. في البيت الكبير من العلاقات الطيبة والوطنية والاحترام. ثم في أيام الحرب العالمية الثانية التي طالت المدينة بالخراب والدمار ونزوح السكان استقرت العائلة فى قمينس ورحل كبيرها هناك ثم عادت وقضت بقية الأيام في سواني العائلة في الهويا قرب بنغازي. درس مع رفاقه الابتدائية والثانوية في بنغازي ثم التحق بالهندسة عام 1955 في عين شمس بالقاهرة.

كان في صباه قريبا جدا من شاعر الوطن. يضمهما البيت الكبير. يرافقه إلى السوق لشراء حاجات البيت ولوازمه ويلاحظ تاْثير الشاعر في الناس على طول الأزقة والشوارع والمقاهي وتقديرهم. ذلك شاعر الوطن الذي عاد إلى الوطن بعد غربة وبعاد ووحشة.

وعلى الدوام يظل الصبي معه لا يفارقه عندما يذهب لكي يصطاد السمك في بحر الشابي عند الصخرة الكبيرة التي ماتزال باقية. كان شاعر الوطن يجيد صيد السمك ويحب البحر والسباحة. وكان قريبا منه اْيضا عندما يعمر البيت بالزوار والمثقفين من بنغازي وخارجها. ومن خارج ليبيا أيضا. كان شاهدا في صباه وشبابه على هذه العلاقات والأمور والزيارات والمناقشات.

وحين اعتقل الشاعر وأدخل السجن مع رفاقه في يوليو 1951 سارع محمد حسين المحيشى الصبي الأسمر وفقا لما طلب منه رفيق بإخفاء الوثائق والأوراق الخاصة بالشاعر وحين خرج وجدها كما هى سليمة من كل سوء.

أيام الثانوية في بنغازي اختير ضمن طليعة كشفية شاركت في بعثة كشاف ليبيا في أول مخيم كشفي عربي أقيم في الزبداني بسوريا عام 1954. كان معهم الأستاذ محمد الفلاح وشملت إضافة للمحيشى: فتحي جعودة ومصباح العريبي وطه الشريف بن عامر والصادق مخلوف وعوض السعداوية وعبدالقادر بوقعيقيص ونوري رحومة وعبدالجواد الكوافي. ورافقهم علي الغرياني القادم من طرابلس إلى المخيم. وكان أيضا المعلم والقائد الوطني على خليفة الزائدى يتابع ويشرف ويقود ويغزل الخيوط بين الجميع. أيام في سهول الشام والعودة. وحدة الوطن من أساسيات الحركة الكشفية والتربية الوطنية في مقدمة أولوياتها ووسائلها وأهدافها.

عاد المحيشي شابا مهندسا إلى بنغازى عام 1959. اشتغل في مجلس الإعمار ثم وزارة التخطيط والتنمية وأسهم مع جيل المهندسين الرائع.. عمر بن عامر ومحمد المنقوش وحمدي بن عامر وفتحي جعودة والشريف بن عامر وغيرهم في هندسة المدينة وإعداد وتنفيذ المشروعات والتخطيط السليم والحضري لمرافق وأحياء بنغازي وماحولها وامتد نشاطهم الفني الجميل إلى كل مناطق ليبيا. في البيضاء. في سبها. في المرج. في طرابلس. في العديد من أجزاء ليبيا الواحدة المترامية الأطراف. خلال توليه الشؤون الفنية في بلدية بنغازي في مرحلة لاحقه كان الساعد الأيمن لعميدها محمد بن يونس. وهنا أنجزت الفكرة الإنسانية الراقية بتنفيذ مخططات الْإسكان الذاتي للمواطنين. انتهت قصة الزرايب والأكواخ ومضت إلى البعيد. وكان أيضا صاحب أداء نظيف وراق عندما تولى مسؤولية عمادة المدينة. حلم الحي الذي اْضحى مساكن بعد تلك الزرايب والأكواخ كان أيضا يتوثب منذ زمن في صدر رئيس العائلة عمر المحيشي. أقيمت في أراضي المحيشي في طرف المدينة الشرقي بعد أن عوضت الأسرة التعويض القانوني المناسب.

وفي المكتب الهندسى الليبى كانت حبات العرق تهطل والعمل يسابق الزمن مع رفيقه فتحي جعودة المهندس الأصيل ورفاق المكتب عبدالرحمن شتيوي وعلي منينه وغيرهم. خطوات وأنفاس وحماس من أجل المدينة وتحسينها وتخطيطها. بنغازي التي تستحق مايليق بتاريخها وتاريخ الوطن إذا ما تحقق الحفاظ عليه ولم يتم التفريط بصفحة من صفحاته التي يقدمها اْفضل رجالها فى كل شؤونها.
محمد المحيشي المهندس ورفاقه المخلصون على الدوام يظلون في أول الصفوف من هؤلاء الرجال.