Atwasat

الاحترام هو الحل

محمد عقيلة العمامي الإثنين 24 يونيو 2019, 12:20 مساء
محمد عقيلة العمامي

مراسم وعقود الزواج في الديانات كافة لا تتضمن بندا ينص على الاحترام المتبادل بين الطرفين، بل هناك نصوص في بعضها جعلت عقد "الاقتران" هذا مجرد سند ملكية طرف للطرف الآخر، الذي يفترض أن يساويه في الحقوق. 

منذ نهاية القرن الثامن عشر اتضحت ملامح فصل الدين عن الدولة في أوروبا، ومنذ القرن التاسع عشر بدأت مؤشرات المساواة بين الجنسين تقترب في معدلات حقوق الطرفين، حتى إنها وصلت في القرن العشرين إلى المساواة التامة في الحقوق حتى وإن لم تؤسس هذه العلاقات على عقود اقتران. أصبحت المحاكم تحكم باقتسام كل شيء حين يصل الأمر إلى الانفصال بمجرد أن يثبت أي طرف أنهما يعيشان معا، وأصبح النسب تحدده بصمة الجنات الوراثية. 

مع هذه الثورة الاجتماعية ظهرت مشاكل وفراغ نفسي يرجعه علماء الاجتماع إلى متاعب نفسية أساسها ليس حقوق القوانين الوضعية ولكن طبيعة الجنسين، واختلاف حاجاتهما، وهذا تحديدا هو ما جعل المتخصصين النفسانيين يرون إشارة الدين الإسلامي إلى أهمية مراعاة طبيعة الأنثى وحاجتها للعطف والحنان وأن "أخيار" الذكور هم أكثرهم خيرا لبقية أنصافهم، ناهيك عن توصية الرسول الكريم الواضحة، التي طلب فيها صراحة الرفق بــ (القوارير). 

الكثير من ضرورة اهتمام الذكور بالإناث تناولتها التشريعات المستمدة من النصوص القرآنية، غير أن الشيوخ المفسرين، الذين وضعوا نصوص عقود الزواج تجاهلوا أمر الاحترام المتبادل، بل في الواقع جعلوه فرضا على المرأة أكثر من كونه فرضا على الطرفين. 

كانت ظاهرة كثرة الطلاق قد انتشرت في أوربا في القرن الماضي، تماما مثلما يحدث الآن في ليبيا، فلقد تابعت منذ أيام، في قناة الوسط التلفزيونية، تقريرا مطولا عن حالات الطلاق التي وصلت مؤخرا نسبة لم يعتدها الليبيون من قبل. 

الحقيقة أن كثرة الطلاق التي حدثت في أوروبا جاءت نتيجة المساواة التامة بين الجنسين، وبالتالي تعليم المرأة واستقلاليتها المادية، ولو تأملنا القدر الذي نالته المرأة في ليبيا الآن نجد أنه فاق في نتائجه الذكور فالتفاوت الكبير ما بين الخريجات والخرجين وبالتالي زيادة العاملات إن لم نقل الرئيسات، جعلهن يتمتعن بالاستقلال المادي، الذي يصل في بعض الأسر إلى قيامهن بمسئولية الإنفاق عليها، ذلك منحهن القوة في مسئولية اتخاذ القرار، وبالتالي بالانفصال وطلب الطلاق، 

ولكن " McCall's " وهي مجلة نسائية أمريكية شهرية، حظيت بشعبية كبيرة خلال معظم القرن العشرين، وبلغت ذروتها في أوائل 1960، إذ كانت توزع شهريا 8.4 مليون نسخة، كتبت موضوعا عن دراسة عنوانها "الأزواج الصامدون في عصر الطلاق" بينت فيه رأيا آخر أعمق بكثير من مسألة الإنفاق. الموضوع جاء نتيجة بحث مطول خلص إلى أن الزواج الذي صمد في وجه الثورة الاجتماعية، التي أطلق عليها في الستينيات العديد من الأسماء، منها الثورة الجنسية، هو الاحترام المتبادل بين الطرفين.

إن الاحترام لا يعني الطاعة أبدا ولا رضوخ طرف للآخر وإنما احترام كل طرف لرغبات الآخر، وأيضا مراعاة حالات الطرفين النفسية. تقول باحثة وهي أستاذة علم نفس في كلية طب بجامعة نيويورك: "عندما يقع الغرام ينبهر الطرفان مثلما ينبهر طفل بوالده، ولكن بعد حين قد لا يجد أي من الطرفين أن الآخر يتوافق تماما مع ما توقعه بسبب تباين في وجهات النظر إلى الحياة.." وعندما يرى كل طرف منهما الآخر على حقيقته، ليس لهما إلاّ أن يقتنعا بضرورة التوافق على الاختلاف من أجل ديمومة الزواج وهذا لا يتحقق إلاّ بإفساح المجال للطرف الآخر للتعبير عن قناعاته وعلى شريكه أن يحترم وجهة نظره. فاحترام وجهات النظر لا يفسد الزواج، بلا يقويه. 

الاحترام هو أهم ما ينبغي أن يسود الحياة الزوجية، ولقد فسرت المجلة أن صمود الأزواج كان أساسه الاحترام، واللافت أنها أبرزت أمورا قد لا نعتبرها من أساسيات الاحترام، فمثلا يعد عدم الاحترام ازدراء أحد الطرفين قناعة الطرف الآخر بهواية يحب أن يمارسها، أو اختلافهما في قضاء أمسية، أحدهما يفضل أن يقضيها في بيته والآخر يفضل أن يقضيها خارج البيت، أو الاختلاف على الزيارات والتعبيرات، أو النقد المتبادل بينهما لأسر كل منهما. ويعد استخفاف أي منهما لرأي الآخر من أهم أسباب فقدان الاحترام المتبادل بينهما. كذلك محاولة أحدهما تصحيح أخطاء الآخر والتعبير عنها بالصراخ أو العنف، أو السخرية مدعيا أنها لمصلحته. كل ذلك يولد إحساسا لدى طرف أن شريكه في الحياة يحط من قدره، وذلك بالتأكيد يقضى على الاحترام. 

ليس هناك رفقة بين اثنين لا يتخللها اختلاف ولكن الذي يرغب في مواصلة هذه الرفقة عليه أن يجد على الدوام تسوية مرضية لا تقلل من قدره ولا من قدر شريكه، ويضعها برفق بين يديه، ولعل أسهل وأبسط الحلول هو الاتفاق على أي اختلاف لا يصل إلى العبث بجواهر الأخلاق، ولا قلة الاحترام.