Atwasat

مفاقمة كارثة الوطن

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 23 يونيو 2019, 12:48 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

لكل تحرك وإجراء عملي، تقريبا، آثار جانبية سلبية. وطبعا، صفة السلبي والإيجابي، بخصوص العمليات المرتبطة بالبشر، مسألة نسبية تتعلق بوجهة نظر الأطراف المتضررة، أو المستفيدة. فنقص سلعة تموينية ما، مثلا، يعتبر أمرا سلبيا من وجهة نظر الناس العاديين المستهلكين لهذه السلعة. لكنه يعتبر إيجابا من وجهة نظر مهربي البضائع والمضاربين. أي أن الموقف مرتبط بالمصلحة من عدمها.

في الطب، لكل دواء، غالبا "آثار جانبية side effects"، لذا يوصف أحيانا أكثر من دواء لنفس المرض لأن أحدها يعالج، أو يوازن، الآثار الجانبية، السلبية بطبيعتها، للدواء الآخر. وإذا زادت الآثار الجانبية، السلبية الممرضة، على الآثار الإيجابية المعالجة المستهدفة من دواء معين، تنتفي صفة "الدواء" عن هذا العقار لأنه يسبب الأدواء ويتم التحذير منه وسحبه من الأسواق.

بتطبيق هذا المبدأ على الحدث الأبرز الجاري الآن في ليبيا، وهو هجوم الجيش (وليس المؤسسة العسكرية) على طرابلس، بدعوى تحريرها من المليشيات وتطهيرها من الإرهاب، تتبدى لنا الآثار السياسية السلبية لهذا الفعل (بغض النظر، لأهداف هذا المقال، عن الخسائر البشرية والمادية والتشريد وتعطيل المؤسسات الحيوية وإعطابها والخراب الهائل).

أول أثر هو تعميق الحساسيات الموجودة، بهذا القدر أو ذاك، بين شرق ليبيا وغربها وتحويلها إلى أحقاد ستظل تفعل فعلها، فوق السطح، أو تحته، لأمد طويل جدا.

ثانيا، في جانب الشرق والقوات المهاجمة، سيتعزز دور الجماعات الدينية السلفية (=الوهابية)، المقاتلة وغير المقاتلة، بحيث تنتج عرقلة المشروع المعلن من هذا الهجوم، وهو توحيد الوطن والقضاء على الإرهاب وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.

ثالثا، في جهة الغرب، تعزيز دور المليشيات المتصدية للهجوم والتي أوقفته عند حده، حتى الآن، وتهدد بدحره. وبذلك يتعذر، أكثر فأكثر، مشروع تذويبها أو إلغائها وإحلال مؤسسة عسكرية بديلة.

رابعا، تعزيز دور مدينة مصراتة على طريق طموحها لحكم ليبيا, في أن تكون عاصمة بديلة أو، على الأقل، عاصمة موازية لطرابلس.

خامسا، مساعدة الأخوان المسلمين، ومن في حكمهم، على التغلغل عميقا في مفاصل الدولة.

سادسا، بالنسبة إلى الجنوب الليبي، إطلاق النزعات الانتقامية عند الدول المحادة لنا جنوبا التي تسعى إلى الانتقام من إذلال القذافي لها وتلاعبه بمصيرها السياسي، من خلال دعمها لامتداداتها الإثنية في ليبيا. وإحداث فجوة أمنية واسعة وعميقة يتحرك خلالها الإرهاب والجريمة المنظمة.

سابعا،على الصعيد الوطني العام، زيادة فرصة الأطراف الخارجية الداعمة للأطراف الداخلية المتحاربة في تعميق نفوذها وتغلغلها في الحياة السياسية في ليبيا وتوجيه مصيرها. وربما تسنح الفرصة لتدخل أطراف جديدة.

ثامنا، توفير فرصة خصبة مواتية لاستقواء العصابات الإجرامية وعصابات التهريب وخلق حالة من الفوضى.

تاسعا، إفساح المجال لتحركات أسهل من قبل عناصر الإرهاب، بالذات داعش، التي القضاء عليها من ضمن مستهدفات هذا الهجوم المعلنة.
من تحليلنا أعلاه، يتبين أن هذا الهجوم يخلو من أية حكمة وأي مردود إيجابي على الوطن. وبذلك فهو لا يعد علاجا لأزمة الوطن، وإنما يفاقم كارثته.