Atwasat

من نحن.. وإلى أين ماضون؟

بشير زعبية الخميس 13 يونيو 2019, 01:31 مساء
بشير زعبية

نعم، محيط ليبيا عربي كما هو أفريقي، ولكنها ليست دولة شرق أوسطية، ولا ينبغي أن تسمح بأن يزج بها في مشاكل تعني بالدرجة الأولى دولاً شرق أوسطية وخليجية، وعلى سبيل المثال فلا مشكلة لليبيا مع إيران، باستثناء قضية اختفاء الإمام الشيعي موسى الصدر خلال زيارته ليبيا العام 1978، وهي ليست مشكلة حدودية أو سياسية بالمعنى السياسي المعقد، كما ليس لليبيا حدود مشتركة مع أي من دول الخليج، وبالتالي لا مبرر لتلك الدول الخليجية كي تجعلنا ميداناً لخلافاتها وانقساماتها أو مخططاتها، أما القضية الفلسطينية فلا أعتقد أن الليبيين أكثر فلسطينية من الفلسطينيين، وما يريده الشعب الفلسطيني، يجب على أي حكومة ليبية أن تؤيده وتدعمه، ويبقى شعار «فلسطين قضية كل العرب والمسلمين» قائماً، لذا ليس لليبيا علاقة بما يروج الآن حول ما سمي «صفقة القرن» ويجب أن نكون كليبيين يقظين، إزاء أي مخطط يجعل ليبيا طرفاً في هذه الصفقة رغماً عنها، باستغلال الوضع الهش الذي تعيشه في ظل انقسام الدولة والاستقطاب الإقليمي، بمعنى أوضح، يجب ألا نسمح بأن تكون أرضنا جزءاً من خارطة الصفقة الشرق أوسطية.

ليبيا دولة مغاربية بالتاريخ والجغرافيا، وهي عضو في اتحاد دول المغرب العربي، وتترأس دورته الحالية، وينبغي أن تنشط هذا الدور، وتواجه أي تحدٍ شرق أوسطي ضمن منظومة الجسم المغاربي، بما احتوته من معاهدات ووثائق عمل مشترك، فلا قدرة لها أن تواجهه منفردة، أيضاً تفعيل التجمعات القارية، والأفريقية خاصة، كتجمع دول الساحل والصحراء، إلى جانب تنشيط الدبلوماسية المتوسطية، عبر التوجه نحو تفعيل اجتماعات (5+5) على سبيل المثال، وباقي التجمعات والفعاليات المتوسطية.

من نحن؟ وإلى أين ماضون؟.. سؤال الهوية والمصير هذا سيبقى ملحاً، وسيزيد، ونحن أمام عقد قادم سنكون فيه جزيرة الـ«8 ملايين نسمة» وسط محيط الجيران «نحو 270 مليون نسمة» وفق التقديرات المتداولة!، هذه الجزيرة الليبية قليلة السكان غنية الثروة، هي رغم تجربة سنوات الفوضى القائمة، لا زالت تعد بيئة جاذبة، ومعبراً للمهاجرين نحو الشمال، ما بالك إذا استقرت فيها الأوضاع ودخلت مرحلة إعادة الإعمار وازدهرت فيها سوق العمل، وهي تجاور بيئة طاردة، ترتفع فيها معدلات البطالة ونسبة التزايد السكاني وأزمات المعيشة، والمنطق يقول إن هذا المحيط السكاني قد يفيض بالضرورة ليغمر الجزيرة الليبية بالمهاجرين والباحثين عن سبل العيش، وإن ذلك سيحدث سلماً أم بغيره، وأمام هذا استبقت دول الشمال مبكراً مخاطر الفيضان البشري في الجنوب بإجراءات وقائية عملية، قد لا تكون آخرها عملية «صوفيا» بعنوانها المعلن «مكافحة مافيا الهجرة غير الشرعية ومنع وصول السلاح إلى ليبيا»، ويعني هذا أيضاً أن البوارج الحربية والقوة البحرية الأوروبية مضافاً إليها دور «الناتو» ستحاصر الساحل الليبي، وستتحول ليبيا إلى قفص للمهاجرين الذين صارت حتى دولهم تتجنب إعادتهم إليها؛ تخوفاً من أن يكون بعضهم انخرط في صفوف التنظيمات المتطرفة في ليبيا، وعلى رأسها «داعش»، ولن يكون أمام من يريد البقاء من هؤلاء في ليبيا؛ بحثاً عن المال سوى خيارات ثلاثة إما العمل والإقامة غير الشرعية، أو التحول إلى عصابات السطو ومافيات التهريب والاتجار بالممنوعات، أو الالتحاق بصفوف التنظيمات المتطرفة.. هذا على المدى الزمني الحالي أو القريب، فكيف سيكون الحال إذا ما طالت الفوضى وغابت الدولة؟.