Atwasat

ليبيا في صفقة القرن

نورالدين خليفة النمر الأحد 09 يونيو 2019, 12:40 مساء
نورالدين خليفة النمر

تقرّب المعطيات الراهنة للتسوية الأميركية للنزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني دخول ليبيا الحثيث من الباب المُشرع على التعويضات في "صفقة القرن". ويُرفد ذلك وجود مليارات من الأموال والأصول الليبية المجمّدة بقرارات مجلس الأمن تحت يد أمريكا والغرب، وتعافي تصدير النفط الليبي بكميات متصاعدة، وتصدُع المؤسسات الليبية خضوعاً للانقسامية المجتمعية، وانهماك الليبيين في حرب الجميع ضد الجميع وكل تشابكات الفوضى التي تبعد الليبيين عن الاستفادة من أموالهم في إعادة البناء والتنمية.

يبدو من المتابعات والتحليلات أن الصفقة الأميركية نجحت في إزاحة كل عناصر التسوية السلمية من على مائدة التفاوض، تلك التي اعتبرها الرئيس الأمريكي الذي اقترح الصفقة، عقبات فى سبيل التوصل إلى الحل مثل وضع القدس ومشكلة اللاجئين والمستوطنات المقامة بالمخالفة في الأراضي الفلسطينية حسب قرارين من مجلس الأمن رقم 242 بانسحاب جزئي من أراضٍ فلسطينية محتلة نتيجة الهزيمة العربية. فيما يشير إليه التاريخ 22/ 11/1967 . ومن الأمم المتحدة20 20/ 12/ 1970 يطالب إسرائيل بإلغاء جميع إجراءات ضم أو استيطان الأراضي المحتلة عام 1967.

ما يبقى عقبة أمام الصفقة المشكلة الديموغرافية، المتعلقة بالوجود البشري الفلسطيني. وهذا الأمر أُخذ في الحسبان من قبل الأمريكيين، والإسرائيلين، بوضع الإضبارة المالية في المُقدّمة، لمعالجة المشكلة الاقتصادية، بتعويض الفلسطينين، أو بالأحرى شراء رضاهم لتمرير الصفقة، وتشجيعهم على قبول التسوية فى مقابل الحوافز الاقتصادية والمالية. فالتسريبات المتناثرة تقدّر أن المبالغ تصل إلى ألف مليار دولار.. لتحويل المناطق الفلسطينية والدول المحيطة بها إلى شعلة من النشاط الاقتصادى.

الشكوك التي تحوم حول هذه الصفقة وربما تبيئُها بالفشل، كونها ككل المبادرات القديمة الموصوفة بخطط مارشال للشرق الأوسط، تسبّق الاقتصادي على السياسي جوهر المشكلة من أساسها. وإن كان المروّجون لصفقة القرن يتوّخون الصواب في رؤيتهم بأن خلق حياة أفضل للفلسطينيين من خلال مؤسسات خاضعة للمساءلة وتطوير البنية التحتية هو عامل رئيسى فى تحقيق السلام. إلا أن هذا التوّجه لايبدو هو المفتاح الأساسى لإنهاء الصراع. فالمشكلة في المفاوضات المتعلّقة بالصفقة أنها تنفرد هذه المرة بالمفاوض الفلسطيني في حالة ضعف سياسي عربي ساحق بتصعيد الخلاف مع إيران لصالح إسرائيل، وهو مايدفع اللاعب الإسرائيلي إلى أن يقذف كرة الألف مليار دولار بعيداً عن مرماه، وهو مايجعل الراعي الأميركي للصفقة يفكر جاداً في إمكانية تدبيرها بعيدا عن إسرائيل.

إلا أن الرهان الأمريكي الأسهل، يكفل بتمويت صفقة القرن سريريا بسبب غياب مصادر تمويل خليجية كافية لدعمها، وإنجاحها في الواقع العيني، على خلفية تراجع أسعار النفط وكلفة تمويل الحرب المستعرة منذ 2015 فى اليمن. وقد تبيّن  هذا الفشل في تلكؤ الجانب الفلسطيني في الجلوس على طاولة المفاوضات والالتحاق بورشة العمل الاقتصادية المزمع عقدها فى البحرين في شهر يونيو 2019 حيث لايبدو متوقعاً من السعودية ممارسة ضغوط قوية على الفلسطينيين للحضور أو أن يقوموا بتمويل الجزء الأكبر من مبلغ 68 مليار دولار الذى يسعى الأمريكيون فوراً للحصول عليه. فقد اشترطت السعودىة مبدئيا دعمها للصفقة شمول مفاوضاتها بند دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وهو ماصار في حكم المُحال .

لم يفت المخططين للسياسات الإسرائيلية الاستعداد مبكراً لهذا الأمر فقد كلفت الحكومة أحد بيوت الخبرة الدولية بحساب أموال وممتلكات اليهود الذين غادروا الدول العربية ووفقا للتقرير الذي نشرته “شركة الأخبار – القناة الإسرائيلية الثانية ـ سابقاً”. فقد تمّ تقدير القيمة الإجمالية لممتلكات اليهود المتروكة فى الدول العربية بـ250 مليار دولار. بل إنّ حكومة تل أبيب قدّرت، من خلال عمليّات سريّة، “الممتلكات اليهوديّة” في ليبيا وتونس بخمسين مليار دولار، وكشفت الشركة الإعلامية المذكورة أن الإعلان عن المبلغ الكلي سيتم قريبًا، وأن حصر “ممتلكات اليهود” في الدولتين العربيتين جاء ضمن الاستعداد الإسرائيلي.

وهو الأمر الذي أكدّه تقريرعن صحيفة الوسط الليبية بتاريخ 25 أبريل 2016 بأن إدارة الأملاك بوزارة الخارجية الإسرائيلية قامت بإعداد مشروع قانون وطرحته على الكنيست الإسرائيلي في مارس العام 2012، يطالب ليبيا ضمن بلدان عربية، بتعويضات عن أملاك 850 ألف يهودي قيمتها 300 مليار دولار أميركي مقسمة فيما بينهم طبقا للتعداد السكاني الأخير لليهود منذ العام 1948.

فيما يتعلّق بليبيا فأن الحصول على معلومات تتعلّق بأملاك اليهود المتروكة فيها، لايقتضي الحكومة الأسرئيلية القيام بعمليات سرية، فهذا الأمر أكدّته في 3/ 5/ 1993 زيارة "الحجاج" الليبيين للقدس التي كشفت عن لقاءات سرّية قبل عام 1997 بسنوات وعد فيها دكتاتور ليبيا المُسقط بالثورة الشعبية 2011 يهوداً التقوه بدفع تعويضات لليهود الليبيين عن ممتلكاتهم التي خلفوها وراءهم في ليبيا.

الوعود التي أفصحت عنها برانويات دكتاتور ليبيا الغابر، وهرطقاته الموهومة الواردة في كتيبه الأبيض "إسراطين" وشعبذات إرساله عناصر من مخابراته ولجانه الثورية للحج الليبي في القدس التي أملتها ضغوطات حصار لوكربي،. إسرائيل البرغماطية ستتجاوز عنها وتُمسك فيما أوردته مقالة نُشرت بتاريخ نوفمبر 2009 باسم مُصعب أبوزيد في موقع ليبيا وطننا المحتجب كشفت عن قوانين وقرارات تتعلق بأموال وممتلكات ترجع في غالبها الأعم ليهود ليبيين بلغ عددهم (1514) شخصاً وعائلة من مجموع "1550" اسماً شملته هذه القوانين والقرارات.

وقد أوضحت المقالة بناءً على ديباجة هذه التشريعات أن جزءاً من هذه الأموال والممتلكات سبق وضعها تحت الحراسة من قِبل حكومة "العهد الملكي" بموجب القانون رقم 6 لسنة 1961 الذي قضى في المادة (1) منه بأن توضع تحت الحراسة جميع الأموال والممتلكات الموجودة في ليبيا والمملوكة لهيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل أو منتمين إليها بجنسيتهم او يعملون لحسابها، أما الجزء الباقي من هذه الأموال والممتلكات فهو يرجع إلى يهود ليبيين غادروا ليبيا خلال الفترة منذ أحداث حرب يونيو 1967 وحتى انقلاب العسكر سبتمبر 1969.

وقد نبه كاتب المقال إلى أن الحكومات الليبية المتعاقبة منذ صدور القانون رقم (6) لسنة 1961 وحتى قيام الانقلاب، وإن كانت قد وضعت هذه الأموال والممتلكات تحت الحراسة العامة، إلا انها لم تكترث بتثبيت هذه الملكيات لأصحابها بموجب قرارات أو قوانين تنفيذية ونشرها في المجلة الرسمية للمملكة الليبية وبقى الأمر على هذه الحال إلى أن جاءت الحكومة الانقلابية " الثورية " التى ترأسها زعيم الانقلاب نفسه فسارعت فيما سيظل سراً غامضاً إلى أصدار متعجّل لسيل القوانين والقرارات المرقّمة والمؤرخة في الفترة من 7 فبراير 1970 إلى 15 مارس 1973المتعلقة بوضع هذه الأموال والممتلكات العائدة ليهود ليبيين تحت الحراسة في قرار واستثناء بعضها في قرار آخر. وقد تعود إليهم من خلال صفقة القرن.