Atwasat

سوار الذهب والديمقراطية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 09 يونيو 2019, 12:38 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

في مقالنا الذي عنوانه: التلاعب بـ "الدولة المدنية"(http://alwasat.ly/news/opinions/244758?author=1) أشرنا إلى التلازم بين الدكتاتورية والاستبداد، من جهة، والأنظمة العسكرية، من جهة أخرى، وأن "مثال عبد الرحمن سوار الذهب في السودان (الذي استلم السلطة في أبريل 1985 أثر انتفاضة شعبية وسلمها سنة 1986) استثناء يؤكد صحة القاعدة".

حسين المزداوي، وهو كاتب مثقف ومنقب، ودبلوماسي ذو خبرة دبلوماسية مديدة وعميقة، وباعتباره دبلوماسيا مثقفا لم يكن حريصا على الاطلاع المعمق على تاريخ البلد الذي يعمل به والتعرف على وضعه السياسي الراهن وتعقيداته، فقط، وإنما كان يحرص على الإلمام بإرثه الثقافي والأدبي أيضا. وقد لفتت انتباهه إشارتنا إلى عبد الرحمن سوار الذهب في مقالنا المشار إليه. ولأنه اشتغل بصفته عدة سنوات في السودان، أرسل إليَّ على الخاص في الفيسبوك توضيحا بالخصوص يعتبر في حد ذاته مقالا. ولأهمية هذا التوضيح أحببت أن أشرك فيه القراء المتابعين. لذا سأنقله ملخصا بعض فقراته وناقلا بعضها بالنص.

يقول حسين المزداوي أن سوار الذهب لم يترك الحكم، بعد الوصول إليه، بسبب إيمانه بالديمقراطية "وهذه مغالطة وعدم وضوح لموقفه وأسبابه". ويقول أنه (حسين المزداوي نفسه) وصل للعمل في السودان عشية وصول سوار الذهب ومن معه إلى الحكم هناك، وأنه سمع القصة "عن أعضاء مجلس قيادة الثورة في السودان".
وإذن فلدينا، هنا، شهادة من مصدر عليم، موثوق، نقلا عن مصادر مسؤولة.

يقول حسين المزداوي أن "سوار الذهب كان رئيس أركان الجيش وكان أعلى رتبة فيه، ولم يكن من المخططين للانقلاب ضد نميري، ولكن الأعراف العسكرية في السودان في تشكيل أي مجلس قيادة الثورة لا تكون إلا برئاسة أعلى الرتب في الجيش ابتداء من الفريق عبود الذي كان أعلى رتبة قادت انقلاباً عام 1958، إضافة الى توزيع عضوية مجلس قيادة الثورة على الأسلحة وعلى المناطق الجغرافية في السودان، بغض النظر عن مشاركتهم الفعلية في التخطيط للانقلاب من عدمه، حفاظاً على وحدة الجيش وإرضاءً للمناطق الجغرافية المختلفة، وهذا ما حدث في انقلابات عبود وسوار الذهب والبشير".

لست أدري إن كان هذا العرف التزم به أيضا النميري وهاشم العطا أم لا.

ويستمر حسين المزداوي في القول أن بعض المخططين للانقلاب طلبوا من سوار الذهب قيادة الانقلاب فأبى "لأنه وهو الرجل الصوفي الساذج سياسياً الذي اختاره نميري لهذا السبب، رفض مشاركتهم لأنه قد أقسم ألا يخون رئيس الدولة وبالتالي هو لن يحنث في قسمه أمام نميري، ويغضب الله بحنثه العظيم".

إلا أن أعضاء المجلس جادلوه بأن نميري نفسه "قد أقسم أمام الشعب ألا يخذله، وها هو الشعب يخرج عليه، وبالتالي فإن احترامه لقسمه لنميري مرهون بموقف الشعب الذي قد خرج الآن على نميري نتيجة لأن نميري أخلف وعده أمام الشعب".

فسلم بهذه الحجة "شرط تسليم السلطة الى الشعب في أقرب وقت لأنه ليس رجلا سياسيا". فتم ذلك "خاصة أن الجهات والشخصيات المدنية المشاركة في الثورة الشعبية كانت قوية وعرفت كيف تنظم نفسها وكان على رأسها رئيس نقابة الأطباء الدكتور الجزولي دفع الله، الذي تولى رئاسة الوزراء في الفترة الانتقالية التي استمرت لمدة عام واحد فقط".

من هنا "يتضح أن تسليم سوار الذهب السلطة للشعب ليس لدوافع ديمقراطية، بل لأسباب دينية وساذجة أهمها قسمه الذي وجد له فتوى آنذاك".

هذه الخلفية التي كشف لنا عنها حسين المزداوي بالخصوص مهمة جدا، لكنها لا تقدم ولا تؤخر في حقيقة أن ثمة عسكريا وصل إلى السلطة وآثر، أيا كانت دوافعه، التنازل عنها طوعا. فهو، إلى جانب دوافعه الأخلاقية والدينية التي أوضحها حسين المزداوي، احترم وظيفته ومسؤوليته العسكريتين.

فالعبرة هنا بالنتائج وليس بديمقراطية الدوافع.