Atwasat

الشرعية الموهومة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 02 يونيو 2019, 01:11 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

بدأت، أثر سقوط نظام القذافي، تتعالى في الشرق الليبي (إقليم برقة) الأصوات الداعية إلى الفدرالية، وحتى الانفصال، وعودة الملكية. وهي دعوات ليست متطابقة، ولكنها متنافذة، بمعنى أن تمايزها عن بعضها لا يعني تعارضها. إلا أننا سنناقش هنا الدعوة إلى عودة الملكية.

يحاول الداعون إلى عودة الملكية، وحلفاؤهم، تصوير النظام الملكي الليبي على أنه نظام ديموقراطي مثالي وأن الحقبة الملكية كانت مرتع رفاه وهناء بالنسبة إلى الشعب الليبي بيد أن الواقع بؤكد أن ذلك النظام لم يكن نظاما ديموقراطيا كما تجري محاولة تصويره.

"فمنذ البداية قامت أجهزة الحكومة المؤقتة، التي تشكلت مع الاستقلال وترأسها السيد محمود المنتصر، بعملية تزوير ضخمة في الانتخابات التي جرت في غضون أقل من ثلاثة أشهر عقب إعلان الاستقلال، فرفضت المعارضة نتيجة الانتخابات وانعقدت مظاهرات ضخمة في طرابلس وقعت فيها اشتباكات عنيفة بين المتظاهرين والشرطة بحيث قتل فيها عشرة أشخاص وأصيب مئة وعشرة آخرون، قامت الحكومة على أثرها بحل حزب المؤتمر ونفي زعيمه بشير السعداوي واعتقال عدد كبير من قادة الحزب. وفي ما بعد حلت الحكومة الأحزاب كافة.

ولا ينبغي أن ننسى أن عداء الملك إدريس السنوسي للأحزاب، أو على الأقل نفوره منها، بعدٌ متأصل في رؤيته ومماراساته السياسية. فقد سبق له أن أمر، سنة 1947، بحل جميع التنظيمات السياسية في برقة. كما أن أحداث يناير 1964 في بنغازي التي أطلقت فيها الشرطة الرصاص على مظاهرة طلابية فأودت بحياة ثلاثة طلبة وجرحت آخرين، هي من الشهرة بمكان(خاصة وأن نظام القذافي لم يوفر جهدا في استغلالها في حملته الدعائية على الحقبة الملكية)"*. ولا ينبغي أن ننسى أنه تم حل البرلمان سنة 1964. كما كانت "الصحف تصادر ويضيق عليها وكانت الكتب تمنع وحرية الفكر تحدد"*.

كما الحقبة الملكية لم تكن حقبة هناء ورفاه مثلما يصورها البعض لنا، إذ "بالرغم مما أحدثه تدفق المردود النفطي من تحسن في المستوى المعيشي العام لليبيين إلا أن الأمور كانت تسير في السنوات الأخيرة من عمر النظام نحو أن يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقرا وبرزت ظواهر استغلالية واضحة، من مثل الاتجار في الأيدي العاملة"**.

من ناحية أخرى، يحاول دعاة عودة الملكية تعليل ذلك من ناحية "الشرعية". ورغم أنني لا أؤمن بأية شرعية سوى الشرعية الديموقراطية الناتجة عن انتخابات وفقا للشروط المعروفة، إلا أنني سأناقش هنا مدى سلامة هذه الشرعية على نفس الحلبة التي يقف عليها مروجو شرعية النظام الملكي وشرعية عودة واستئناف الملكية من خلال ورثة الملك السابق.

ينبغي التذكير أن شرعية الملك محمد إدريس السنوسي لم تكن شرعية متأصلة، أو أصيلة، ذات عمق تاريخي على غرار شرعية التاج البريطاني أو الياباني، مثلا. وإنما هي شرعية ظرفية نتجت عن تفاعلات ظروف وعوامل وأوضاع تاريخية معينة. أي أنها "شرعية توافقية" أتى بها التوافق، ويمكن لانحلال هذا التوافق أن يسلبها.

إن الحديث عن شرعية ورثة الأسرة الملكية (ولا أقول المالكة) لا يختلف، جوهريا، عن الحديث عن شرعية أسرة معمر القذافي. فمعمر القذافي امتلك "شرعية ثورية" وكانت هذه الشرعية تتمتع بغطاء شعبي كثيف وواسع في جميع أنحاء البلاد، خاصة خلال العقد السابع من القرن العشرين (أي في السنوات العشر الأولى من عمر النظام). وإذا كان ورثة الأسرة الملكية يستندون إلى حركة دينية إصلاحية، هي الحركة السنوسية (التي لست أدري إن كانت ما زالت قائمة تنظيميا أم لا) فإن ورثة معمر القذافي يستندون، هم أيضا، إلى حركة سياسية منظمة هي "حركة اللجان الثورية" المعروفة.

إن الداعين إلى استئناف الملكية، بمقتضى الشرعية المزعومة، يعاملون ليبيا على أنها مزرعة أو إقطاعية، تمتلكها الأسرة السنوسية، صودرت منها في فترة معينة وقد حان الآن وقت استعادتها وفق شرعية "قانونية"، متغاضين عن أن ليبيا ليست مزرعة أو إقطاعية يسري عليها حكم التوريث، وأن الشعب الليبي ليس حشدا من الأقنان المرتبط مصيرهم بمصير أرض هذه الإقطاعية.

إن الدعوة إلى عودة الملكية يتخفى تحتها مسعى سيطرة إقليم من أقاليم البلاد، هو إقليم برقة، على البلاد برمتها، وهذا الموقف يتناغم، في هذا الجانب، مع موقف تأييد هجوم الجيش، الذي لا يحوز مواصفات المؤسسة العسكرية، على طرابلس وعودة الدكتاتورية العسكرية، لأن هذا، لو قيض له النجاح، يحقق هذا الهدف.

أريد أن أختم بالتأكيد على أنني مع الدولة المدنية الديمقراطية التي لا لبس فيه والتي يصل الشخص إلى أعلى منصب للحكم فيها عبر عملية انتخابية نزيهة من أي إقليم أو مدينة أو قرية أو قبيلة، كان، وسواء كان ذكرا أو أنثى. ولا اعتراض لديَّ على أن يكون هذا الشخص متحدرا من الأسرة الملكية.

* انظر عمر أبو القاسم الككلي: الدولة الليبية المعاصرة: قمعٌ فاستبدادٌ فضراوةٌ http://alwasat.ly/news/opinions/24799?author=1
** انظر عمر أبو القاسم الككلي: سوء الحظ التاريخي http://alwasat.ly/news/opinions/112690?author=1