Atwasat

الدوري الإنجليزي

نورالدين خليفة النمر الأحد 02 يونيو 2019, 01:08 مساء
نورالدين خليفة النمر

لنقطع الملل الذي يعترينا من الحرب على تخوم العاصمة طرابلس التي لاتتقدّم خطوة ولاتتراجع خطوات. ونبتدئ في هذا المقال كسابقه بمثال يقارب حيوية التفرّج على مباراة كرة القدم عبر التلفزيون، وأقصد بأهميّة برامج الراديو المماثلة في التشويق التي تصاحب سائق التاكسي الإنجليزي في دوام عمله اليومي. إذ استسمح أحدهم من راكبه أن يتوقف لدقائق على جانب من الطريق مطمئنه أنه سيوقف العداد عن العمل أثناء فترة الانتظار. ثم أخرج ورقة وقلمًا، وبدأ يكتب نقاطاً تهمه من خطاب لوزير المالية، يشرح فيه التطوير الذى سيتم تطبيقه فى العام المالى القادم. بعد أن انتهى السائق من الكتابة قال مخاطباً راكبه الأجنبي الذي لايدفع ضرائب في بلاده "الآن سوف أحقق وفرًا فى الضريبة التى أدفعها قدره 130 جنيهًا استرلينيًا، خلال العام القادم".

بنفس سياق مقالي الأسوع الماضي يخاطب مقالي اليوم الليبيين دون من تصدرّوا المناصب في مؤسسات لاتعمل بالسياسة التي لايفقهونها، وأتقصّد هواة الرياضة في مؤسسة كرة القدم الليبية الموّحدة التي تعمل دون إعاقة منذ 2011. وأهيب بهم أن يتابعوا سباق الترشح البريطاني لخلافة الرئيسة السابقة تيريزا ماي، بإحساس المفاجأة الذي خبروه في تصفيات دوري الكُرة البريطاني. وهذا يعني أننا سنتجاوز المثال المتّعلق بالمتفرجين الإنجليز من بيوتهم عبر شاشات التلفزيون الذين ينهضون في فاصل بين شوطي المباراة لغلي ماء لكوب من الشاي. ذلك الذي أوردناه في مقالنا السابق مطبقين عليه معيار البينية betweenes

فيما يتعلّق بأخبار قائمة الفائزين المحتملين كالوزيرين: الخارجية جيريمي هانت والبيئة مايكل غوف، يبرز بينهم وزير الخارجية في تشكيلة حكومة ماي الأولى بوريس جونسون أكثرهم حظاً كونه البطل المتوّج لـ "بريكست" ولكن أستاذ العلوم السياسية في كلية لندن للاقتصاد توني ترافيرس ، لفت الانتباه إلى أن جونسون "بالتأكيد سيكون اختيار أعضاء حزب المحافظين لكن ليس بالضرورة اختيار أعضاء البرلمان". بهذا التشكيك نعود أدراجنا للمعيارالبوبري في فلسفة العلم وهو القابلية للتفنيد ـ أوالأدّق هنا ـ التكذيبFalsifiability Criterion " الذي ينفي عن النظرية علميتها طالما لم تقبل التفنيد أو تعرف التكذيب. وقبولها التفنيد لايعني أنها خاطئة، وقابليتها للتكذيب لايفضي إلى أنها غير صادقة. فالمعيار البوبري يتوّخى المطالبة من النطرية أن تصاغ بوضوح كاف بحيث تقبل ذلك. فإذا سلّمنا بأن نظرية ـ ما ـ تكون أحسن كلّما زادت قابليتها لأن تُفنّد أو تُكذَّب ـ فسيكون علينا أيضا قبول كون العبارات الأكثر دقّة هي أحسن العبارات.

هذه الـ عدم قابلية للتكذيب أو التفنيد في إقرار فوز بوريس جونسون ، تجعلنا نلجأ إلى مكاتب المراهنات التي لاشك أن كروييها تابعوا اللحظات الأخيرة في مباراة رئيسة الحكومة تيريزا ماي. فوفق حدوسهم تبرز في قائمة الترّشح لخلافتها التي كانت آخر المنسحبات 22 .7. 2019 من تشكيلتها الخاسرة الوزيرة البريطانية لشؤون البرلمان أندريا ليدسوم، مبرّرة استقالتها من منصبها احتجاجاً على طريقة إدارة رئيسة الحكومة تيريزا ماي لملفّ خروج المملكة من الاتّحاد الأوروبي.

الفوز الكبير الذي حققه في حزب الـ "بريكست"، بعد ستة أسابيع من تأسيسه، بقيادة نايجل فاراج، بحصوله على 28 مقعداً من مجموع 64 مقعداً محتملاً من مقاعد البرلمان الأوروبي البالغة 750 مقعداً أربك الحزبين البريطانيين الرئيسين، وأثار الفزع في صفوفهما. كان حزب المحافظين الأسبق إلى رد الفعل، بإقصاء زعيمة الحزب ورئيسة الحكومة عن منصبيها، والبدء سريعاً في ترتيبات عملية انتخاب زعيم جديد، بحماس الخروج من الاتحاد، لا تقل عن حزب الـ "بريكست"

لنستعر من سائق التاكسي الإنجليزي قلمه ونحسب معه على ورق مفكرته حظوظ المترّشحة الوزيرة السابقة لشؤون البرلمان أندريا ليدسوم، المستقيلة من حكومة تيريزا ماي قبل سقوطها ورغم ذلك ستخفي ماي مرآة وراء صورتها السياسية المحتملة عبر الـ "بريكست". وبين بوريس جونسون الذي حبك كالرتيلاء الخروج البريطاني الـ "بريكست" من الاتحاد الأوروبي شبكةً لتسقط بين خيوطها اللزجة كالذبابة رئيسة الحكومة تيريزا ماي،ونجعل معيار التفنيد أو التكذيب معيار مفاضلة بين الأداء المحتمل في سياسة بريطانيا الخارجية بعد الخروج بالـ "بريكست". لو أخدنا ليبيا مجالاً من مجالات الخروج البريطاني من أوروبا في سياسة خارجية حديدة في ليبيا التي كانت لها حصة الأسد في صناعتها دولة مستقلة عام 1951 تعاني حتى اليوم من مصاعب استقلالها الذي لم يحسب بقلم سائق تاكسي ليبي سيارة أو كروسة بحصان.

في سياق المفاضلة الليبي أمامنا معالجتان أو مقاربتان: معالجة رئيسة الحكومة تيريزا ماي التي تقمصمت إهابها السابق وزيرة للداخلية في حكومة كاميرون إزاء الهجوم الانتحاري منفذه ليبي ـ بريطاني ورّط فيه أخاه، وألقى الشُبهات على والده وليبيين آخرين بأن استهدف روّاد مرقص من الشباب مصيباً مدينة مانشستر البريطانية، فأودى بحياة عشرات المدنيين. فكانت المقاربة متواطئة مع السلطات الأمنية البريطانية العليمة بتركيبة القوى الميليشاوية التي تتحكم في العاصمة طرابلس ومجلسها الرئاسي، واللاعبة معها وفيها بتشبيكة خيوط النزاعات، والتوافقات فلم تنمحِ منذ 25 مايو 2017 وحتى اليوم غيوم الشك، ويفصل الخيط الأبيض من الأسود في مسألة الإرهاب الإسلامي الليبي.

في سياق المفاضلة الليبي ذاته نتذكر زيارة وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون23 .8. 2017، لليبيا. في تصريحاته، والمقال الذي كتبه بعد الزيارة الليبية غرس الوزير جونسون عديد الإبر إحدها في تمثال الشمع الذي يمثل رئيسة وزارته ماي. فقد أبدى تحفظّه على إجراء انتخابات رئاسية مبكرة مارس 2018 في ليبيا التي وصفها بالمتعجّلة، مشككاً في نجاعتها في أن تكون نسخة من الانتخابات التي أُقيمت عام 2014 والتي في رأيه جعلت الأمور تتجه إلى الأسوأ، ناصحا الساسة الليبيين بالتعلّم ـ دون مراعاة مفارقة المقاربة ـ من غلطة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، وعدم إجراء انتخابات قبل أن يكونوا على أتم الاستعداد لها.

لو تولى بوريس جونسون رئاسة الحكومة البريطانية ،بديلاً عن تيريزا ماي التي ستظهر بملامح أندريا ليدسوم فإنه سيكتشف متأسفاً أن الحرب الليبية ـ الليبية قد أحرقت في أتونها أوراق الانتخابات، وكل ملامح الديمقراطية التي تتوجه للدولة الليبية المدنية.