Atwasat

عودة الشرعية «قراءة دستورية»

خالد زيو الخميس 30 مايو 2019, 03:18 مساء
خالد زيو

لاشك أن النظام الملكي هو الوحيد من بين كل الأنظمة التي تعاقبت على ليبيا منذ استقلالها وحتى اليوم الذي يحوز شرعية جلية لا لبس ولا شك فيها. كما إن هذه الشرعية لازالت قائمة حتى اليوم لأن القول بغير ذلك لا يعني إلا الاعتراف بأن اغتصاب السلطة الذي تم في 1 سبتمبر 1969 هو إجراء شرعي وهو ما لا يقبله منطق ولا قانون.

غير أن تعاقب الأنظمة منذ 1969 وهشاشة النظام الدستوري بل وتلاشي واضمحلال فكرة الدستور ذاتها ألقى بظلاله الواقعية على الموقف الدستوري الأمر الذي يجعل من عودة الشرعية الملكية مرتبطا بترتيبات دستورية لا غنى عنها لضمان العودة السلسة للملكية.

تتعلق تلك الترتيبات تحديدا بالسلطة التشريعية للبلاد في حالة عودة الملكية.

ذلك لأن السلطتين الأخريين التنفيذية والقضائية لا تثور بشأنهما أية تساؤلات فالسلطة التنفيذية بيد الملك وحكومة يختارها هو والسلطة القضائية قائمة مستقرة.

بناء عليه فإن تحديد الإشكالية الحقيقية عند عودة الملكية يمكن أن نعبر عنها بالسؤال من يملك سلطة التشريع في ليبيا إذا عاد النظام الملكي وللإجابة على هذا السؤال نقول إنه يوجد نظريا مسلكان أو تصوران
الأول هو الاعتراف بالسلطة التشريعية الحالية

هذا الخيار يبدو أنه الأسهل من الناحية القانونية إذ يكتفي باستيعاب السلطة التشريعية الحالية ضمن سلطات المملكة الليبية لتؤدي السلطات التشريعية مهامها المبينة في دستور المملكة وبالتالي فالأمر هنا لا يتطلب أية تعديلات دستورية جوهرية أو حادة وإنما بعض التعديلات التنظيمية المحدودة

التصور الثاني: عدم الاعتراف بالمؤسسات الحالية بما فيها السلطات التشريعية باعتبارها لم تنشأ وفقا للدستور وبالتالي يقوم هذا التصور على اعتبار أن الحالة الراهنة هي حالة (فراغ دستوري) فيما يتعلق بالسلطة التشريعية وهو ما يقتضي التعامل مع هذه الحالة بطريقة دستورية صحيحة.

تقييم التصوريين:
1-كما نوهنا أعلاه فإن التصور الأول (استيعاب السلطة التشريعية الحالية) هو الخيار الأسهل من الناحية القانونية غير أن الكلفة السياسية له تبدو مرتفعة وباهظة إذ يعني هذا الخيار الاعتراف بسلطة هزيلة ثبت فشلها وعجزها وانقسامها ما يجعلها جزءاً من الأزمة الوطنية وبالتالي ستشكل عائقا أكيدا أمام السلطة التنفيذية (الملك والحكومة) ويصعب تصور أي تناغم أو تكامل بين السلطتين وهو ما سيؤدي إلى تأخر الوصول إلى الحل المنشود وطنيا وفشل للمنظومة بكاملها خاصة وأن السلطة لتشريعية تملك وفقا للدستور الملكي صلاحيات واسعة وجوهرية.

2- تصور إلغاء السلطة التشريعية الحالية سيوفر فرصة حقيقية لإعادة بناء الدولة على أسس صحيحة قائمة على التناغم والتكامل وعلى أساس من الروح الوطنية وهذان الأمران (التناغم بين السلطات والروح الوطنية) هما أمران غاية في الأهمية لبناء الدولة لاسيما في الظروف الاستثنائية القاسية التي تهدد كيان الدولة من أساسه

وبعبارة أخرى فإن هذا المسلك من شأنه إعادة البريق إلى (الحس الوطني) والاعتزاز بالهوية والسماح بإعادة البناء بلا معوقات.
غير أن هذا المسلك يتطلب في المقابل إجراءات دستورية استثنائية هي أشبه بالعملية الجراحية الحادة ولكنها في ذات الوقت إجراءات شرعية لأنها تتم وفقا للدستور وبمراعاة أحكامه.
هذه الإجراءات نظمها الدستور الملكي في أربعة نصوص من المواد هي (41-64-70-195) وعلى التفصيل التالي

أولا:
نصت المادة 41 على أن "السلطة التشريعية يتولاها الملك بالاشتراك مع مجلس الأمة ويصدر القوانين بعد أن يقرها مجلس الأمة على الوجه المبين في هذا الدستور"
هذا النص صريح في اعتبار الملك هو أساس السلطة التشريعية فهو الذي يتولاها ومجلس الأمة شريك في هذه السلطة.
صحيح أن هذا النص يبدوا منتقدا لأنه لا يتفق تماما مع مبدأ الفصل بين السلطات لكنه يبقى نصا دستوريا ملزما (انتقاد النص لا يعني تعطيله ما لم يلغَ)

ثانيا:
نصت المادة 64 على أنه "إذا طرأت أحوال استثنائية تتطلب تدابير مستعجلة فللملك الحق أن يصدر بشأنها مراسيم يكون لها قوة القانون على أن لا تكون مخالفة لأحكام الدستور وتعرض هذه المراسيم على مجلس الأمة في أول اجتماع له فإذا لم تعرض أو لم يقرها أحد المجلسين زال ما كان لها من قوة القانون"
وبالتالي فإن هذا النص هو تأكيد للصلاحيات التشريعية للملك وهي صلاحيات انفرادية للملك في الأحوال الاستثنائية ومشتركة مع مجلس الأمة في الأحوال العادية المستقرة.

ثالثا:
تنص المادة 70 على أن "الملك يعلن الأحكام العرفية وحالة الطوارئ على أن يعرض إعلان الأحكام العرفية على مجلس الأمة ليقرر استمرارها أو إلغائها [إلغاءها] وإذا وقع ذالك الإعلان في غير دور الانعقاد وجب دعوة مجلس الأمة للاجتماع علي وجه السرعة"

رابعا:
تنص المادة 195 على أنه "لا يجوز بأي حال من الأحوال تعطيل حكم من أحكام هذا الدستور إلا أن يكون ذلك وقتيا في زمن الحرب أو أثناء تمام الأحكام العرفية وعلى الوجه المبين في القانون وعلى أي حال لا يجوز تعطيل انعقاد مجلس الأمة متى توافرت في انعقاده الشروط المقررة في هذا الدستور
وهذا النص الأخير "نص المادة 195 يضع حكما هاما جدا يتعلق بحق تعطيل أحكام من الدستور في الظروف الاستثنائية (الحرب وإعلان الأحكام العرفية) وهو مما نحتاج معه إلى التأكيد على نقطتين هامتين في النص.

النقطة الأولى:
أنه في حال الحرب والأحكام العرفية يجوز تعطيل بعض أحكام الدستور شرط أن يكون بصورة مؤقتة.
النقطة الثانية:
أن هذه المكنة (مكنة تعطيل الدستور) لا تبيح تعطيل انعقاد مجلس الأمة إذا توافرت شروط انعقاده وبمفهوم المخالفة فإنه يجوز تعطيل انعقاد مجلس الأمة (إن وجد) إن لم تتوافر شروط انعقاده ويجوز من باب أولى تعطيل انعقاد المجلس إن لم يكن هذا المجلس قائما بشكل صحيح دستوريا سواء لعدم توافق بشأنه مع صحيح الدستور أو لانتهاء مدته أو لحله بحكم قضائي مثلا أو للأسباب الثلاثة مجتمعة.

الخلاصة
عودة الملكية إلى ليبيا توجب إجراءات دستورية وهي
أولا إعلان الأحكام العرفية فور الإعلان عن عودة النظام الملكي وشروط إعلان الأحكام العرفية متوافرة قانونا "نص المادة 70"

ثانيا تولي الملك السلطة التشريعية من خلال إصدار المراسيم الملكية وفقا لنص المادة 64
ثالثا إصدار قانون انتخابات تشريعية لاختيار سلطة تشريعية وفقا لنص الدستور
رابعا تتولى السلطة التشريعية المنتخبة مراجعة حالة الأحكام العرفية ومراجعة كافة المراسيم الملكية ومن ثم تولي السلطات التشريعية العادية وفقا للدستور فور الوصول إلى الحد المطلوب من الاستقرار.