Atwasat

بنية العقل العربي

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 19 مايو 2019, 11:52 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

عمر أبو القاسم الككلي
رغم التحفظ على تقسيم أو تعديد العقل إلى «أنواع» بحسب الشعوب والأعراق، كأن يقال العقل العربي والعقل الصيني والعقل الغربي، إلخ، إلا أنه يبدو أن ثمة فوارق واقعية وواضحة بين تمظهرات عقول الشعوب والثقافات والحضارات المختلفة، ليس من التفكير العلمي في شيء إغماض النظر عنها والقفز عليها.
وقبل المضي في تسليط الضوء على هذه المسألة، نود التأكيد على أن هذه التنوعات والفوارق والخصائص المائزة ليست معطيات جوهرية ثابتة لا تحول ولا تزول، وإنما هي تبلورات وتشكلات فرضتها الظروف البيئية وأنماط النشاط الاقتصادي وطرق كسب المعاش وجملة الظروف والتطورات التاريخية التي وجهت حياة كل شعب. 
ولعل أكثر العقول التي تعرضت إلى الدراسة «العقل العربي» وبالذات في مقارنته بـ«العقل الغربي».
يتناول هذه المسألة بتركيز شديد، واستغوار عميق، كتاب صادر حديثاً بعنوان «العقل العربي: أنطولوجيا المجرد والعيني»"* يصفه مترجمه بأنه يمثل «مقاربة نظرية ومنهجية جديدة غير مسبوقة في دراسة العقل العربي والثقافة العربية» (ص: 15). وتعتمد هذه المقاربة على 
«توظيف معطيات العلوم المعرفية وعلم النفس المعرفي الذي يشتغل على آليات عمل الذهن وكيفية التفكير وليس محتواه. كما يوظف علم النفس – عبر الثقافي الذي يتخصص بالدراسة المقارنة بين مختلف الثقافات في أوجه تباينها وتلاقيها، على صعد أنماط التفكير والسلوك والعلاقات، ويرفدهما بعلم النفس البلدي (Indigenous) الذي يدرس أنماط التفكير والسلوك والعلاقات من خلال المعطيات النوعية للثقافة المحلية» (ص: 15).
يلخص المؤلف، في خاتمة الكتاب، خصائص العقل العربي كما تبينت له. فيؤكد أن الثقافة العربية ترتكز على إيبيستمولوجيا معقدة (ص: 407). فعلى مستوى المجرد «تحيط هذه الثقافة، في أحسن حالاتها بالتجريد، الذي يولد عقلا ذا توجه إبيستمي عقلاني يسعى للإمساك بالكلي» (ص: 407). فهو «عقل يزدهر مع المجردات ويميل إلى الأفول مع زوالها» (ص407) وهو في هذا يمثل نقيضا «للعقل البراغماتي الأنغلو – سكسوني ويمتد وصولاً إلى العقل الألماني المنكفئ» (ص: 407) وهو أيضاً «عقل مزود بمجال معرفي وعاطفي مميز» (ص: 407) الأمر الذي «يسمح بتفاعل العديد من الأبعاد واتحاد المتضادات الهيراقليطي، إنه عقل يحارب الاستلاب الفردي والهامشية من خلال إسباغ الطابع الموضوعي على ما هو ذاتي» (ص: 407). كما أنه «عقل يصر على بناء القضايا واتخاذ المواقف وذو مجرى تصادمي مع التيارات التي تتبنى الوصف وحل المشكلات وحدهما» (ص: 407) فهو «عقل يؤكد استمرار حياة الأيديولوجيا والتاريخ على الرغم من إعلان موتهما، وهو عقل معني بحقوق المجتمع ويبقي هذا الاهتمام في صدارة اليقظة والتنبه. كما أنه عقل متوجه بطبعه إلى الجماعة الصغيرة والنوعية ولا يرتاح لثقافة الجماهير» (ص: 407). لذا «فالعقل العربي هو العقل الوحيد الذي يبدو جاهزا لتحدي منتجات الغرب الثقافية» (ص: 407).
أما على المستوى العيني، فيتميز هذا العقل «بالتمركز المتطرف حول الذات، والنفعية، وتفتيت المنظور الاجتماعي العام». كما يتميز بالانفعال «والعدوانية تحديداً [... و] الأحقاد الطائفية» (ص: 408).


* إسكندر عبدالنور، العقل العربي: المجرد والعيني، ترجمة: مصطفى حجازي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2017.