Atwasat

الالتزام بقبول نتائج الانتخابات يجب أن يسبق الانتخابات

مالك أبوشهيوة الخميس 16 مايو 2019, 02:09 مساء
مالك أبوشهيوة

تاريخياً، فشل التداول السلمي للسلطة وسقطت الديمقراطية في الدول التي رفضت فيها القوى السياسية الرئيسية الالتزام بنتائج الانتخابات، والحالة الليبية تجسد ذلك بكل وضوح، فعدم التزام الطرف الخاسر في انتخابات 2014 أدى إلى عديد التداعيات السلبية أهمها فشل عملية التداول السلمي على السلطة، لذلك لكي نضمن عدم تكرار هذه العملية مرة أخرى يتعين أن يكون هناك اتفاق عام على قواعد العمليات السياسية والالتزام بها، أي الالتزام بالعملية الانتخابية ونتائجها، خاصة بين القوى السياسية الرئيسية ومراعاة القواعد المرعية في الانتخابات، وبالتالي الخاسرون يتقيدون ويلتزمون بالنتائج، ومن ثم يظهرون التزاماً بالعملية الانتخابية والجانب الإجرائي للعملية الديمقراطية. الرابحون من الجانب الآخر يجب أن يعرفوا أنهم لن يكونوا في السلطة إلى الأبد وسوف يتنافسون مع الآخرين مرة أخرى، ويضعون سجلهم في الاختبار في الانتخاب التالي الذي لا يستطيعون إلغاءه أو تعليقه .

تداعيات عدم الالتزام بنتائج الانتخابات:

يقدم لنا التاريخ المعاصر نماذج رفضت الانتخابات ولم تلتزم بنتائجها، على سبيل المثال النظامان العسكريان في كل من مانيمار ونيجيريا في أوائل التسعينات رفضا قبول الهزيمة وأن أحزابهما خسرت، الأمر الذي جعلهما يلغيان الانتخابات. في الجزائر في أواخر 1991، لأسباب مختلفة، الحكومة علقت الانتخابات عندما أصبح واضحاً أن الجبهة الإسلامية على وشك الفوز.

في أنجولا واحد من الأحزاب السياسية الرئيسية «الاتحاد من أجل الاستقلال الوطني لأنجولا»، الذي خاض حرباً أهلية ضد الحزب الحاكم «حركة تحرير شعب أنجولا» اتجه إلى السلاح بعد الخسارة في الانتخابات مدعياً أن هناك تلاعباً في الصناديق الانتخابية.

في كل هذه الحالات سقطت الديمقراطية، بالمقابل في كل من زامبيا ومالاوي القيادة في النظامين القديمين (الرئيس كاوندا والرئيس باندا) تخلت بهدوء عن السلطة عندما خسرت، وكذلك فعل العديد من الأحزاب الشيوعية من دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي سابقاً. (انظر الفصول 16،17،18 من كتاب الدمقرطة، المؤسسة العامة للثقافة، 2011) .

لذلك على القوى الرئيسية في ليبيا الالتزام بصنايق الاقتراع، فمن غير المحتمل في المراحل الانتقالية أن تقبل أية قوى سياسية قواعد الالتزام بنتائج العملية الانتخابية إذا كانت هزيمتها تضر بمصالحها ضرراً بالغاً، ذلك يعني إذا كان على الخاسرين القبول بنتائج العملية الانتخابية، فإنه يتعين على الفائزين أن يدركوا أن هناك قيودًا مهمة على ما يستطيعون فعله بسيطرتهم على السلطة، ولذلك فإن الشروع في بناء الطريق إلى الديمقراطية يعتمد على ممارسة القوى السياسية الفائزة الاعتدال ومراعاة بعض القيود عند وضع السياسات العامة المختلفة أو بتعبير آخر، لا يجب أن تقوم القوى السياسية الحاكمة الجديدة باتخاذ سياسات عامة مثيرة للخلاف، خاصة إذا كانت هذه السياسات تهدد بشكل خطير مصالح رئيسية أخرى.

جنوب أفريقيا مثال يجسد هذه الحالة، حيث كان المؤتمر الوطني الأفريقي حريصاً منذ العام 1994 على عدم تهديد المصالح الاقتصادية للأقلية البيضاء ومصالح الرأسمالية بصفة عامة، تونس مثال آخر، حيث حرصت حركة «النهضة» على الإقرار بالالتزام باحترام كل ما تم تحقيقه من مكاسب سياسية واجتماعية والالتزام بنتائج الانتخابات، ولم تقم باتخاذ سياسات تهدد مصالح القوى الاجتماعية الأخرى.
كلنا أمل في أن لا يتكرر ما حصل في انتخابات 2014 مرة أخرى، لذلك يجب الالتزام بنتائج الانتخابات من جميع القوى السياسية من الخاسرين ومن الرابحين، وعلى الرابحين عدم اتخاذ سياسات تهدد مصالح ومكانة القوى السياسية الخاسرة .
* أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية في الجامعات الليبية