Atwasat

إسلام له محل من الأعراب

نورالدين خليفة النمر الأحد 12 مايو 2019, 12:14 مساء
نورالدين خليفة النمر

الأخوان المسلمون، أسطورة محظض مصرية، تتوافق مع استمراء شعور الذات لأسباب اجتماعية واقتصادية أن تكون الضحية. العنف الذي وجوهوا به من قِبل دولة الجيش المصري، منذ يوليو 1952 غيرُ مجدِ وهذا رأي سمعته في حضور مسؤول إعلامي وأمني ليبي بعد أحداث معركة باب العزيزية 1984من رئيسة تحرير صحيفة الأهالي اليسارية أمينة النقاش وهو ما أكدّ عليه عالم الاجتماع السياسي المصري سعد الدين إبراهيم في مقالات له في موقع المصري اليوم. الفعال هو تدجينهم في صيغة ائتلافية تحت مُراقبة مؤسسة الجيش العلمانية وهو ماصار في تركيا لحزب الرفاه الإسلامي الذي زعيمه ترأس الحكومة ونابته رئيسة الحزب العلماني "الطريق القويم".

أسطورة تضليل إحوانية أخرى، ظهرت فجأة بأن لها جذوراُ بليبيا في قصة المصريين الثلاثة الذين لجأوا إلى حماية أمير برقة، كذلك عودة الأزهري محمد حسن عريبي من جهاده في حرب فلسطين1948 مؤلف كتاب باسم "الفدائيون الليبيون". والذي انتهى في آرذل عمره أن تولى منسق القيادات الشعبية في الجماهيرية. وكان قد أشيع بتأسيسه خليّة إخوانية استدرج فيها تلاميذ إعدادية غريان منهم عمرو النامي البذرة مع بذور أخرى ستنبت التنظيم الأخواني المزعوم عام 1967، وإلا خرافة الأزهري عبد الله أبوسن، الذي يُشاع أنه نزل ضيفا مع الأخوان المصريين في سجون عبدالناصر الرهيبة. وهو الأسطورة الوهمية الذي جالسني عام 2013 مقعداً في حافلة ونحن نتجه إلى مؤتمر بكلية زليطن، فاستغربت لبساطته أن يكون مؤسساً لأي شئ له علاقة بالحزبية.

الإسلام السياسي الوحيد الذي نجح مشروعه الانقلابي في إسقاط الدولة العلمانية، وإقامة بديل إسلام شيعي عنها سيحكم عليه التاريخ، هو الإيراني والسبب استقلاليته المالية التي تؤمنها زكاة أو ضريبة العشر التي مضت من المتصدق مباشرة لمختبر الانتفاضة: الحوزات الشيعية. وهوما لم يتوّفر للإسلام السني، الذي صار بعد انتصار الإسلام الشيعي في إيران، صحوة سياسية هشّة، ووهمية لا أساس ماديا لها، مجرّد ديكور لبيئة نزاع بين الكومبرادورية والعسكرتيرية في غياب برجوازية وطنية تنهض بالمشروع المدني الديمقراطي تُبعدُ ضلالات اصطناع في ليبيا ما سمّى في بلدان عربية وإسلامية، من قبل الغرب بالإسلام السياسي، أوبمسمى الإسلاموية كأدلجة للمعتقد الإسلامي.

وحتى تكون فكرة مقالى ملموسة، ومعاينة، أسرد صلتي الواهية بالموضوع. دخلت عام 1968 السنة الإعدادية الأولى بمدرسة باب بن غشير بطرابلس، كان عمري لإعادتي الصف الرابع الابتدائي زائداً بعام. وهو ما أهلني أن أتجاوب مع الدردشة التي كان يتيحها لنا المعلم الراتب في العشرة دقائق الأخيرة من حصتي اللغة العربية والدين.

كنت أنا من عائلة أمية، وكان زميلي في المقعد من عائلة فقيهة فجدّه أدرك الاستقلال عام 1951 قاضي قُضاة طرابلس وأخواله قضاة. لفتنا في معلمنا دماثته ولباقته وكان أنيقاً مهذّب اللحية، بنظارة طبية، وتناهى إلى سمعينا أنه من الأخوان المسلمين، وهو ماجعله مُتحاشى من بقية المعلمين الذين هيمن عليهم تأثير عدو الأخوان الرئيس المصرى جمال عبد الناصر.

بفضولنا ودون توجيه من معلّمنا، شرعنا في القراءة مبتدئين لبساطة محتواها الاجتماعي وأسلوب كاتبها محمد قطب بـ : معركة التقاليد، وشبهات حول الإسلام،هل نحنُ مسلمون؟ ودراسات في النفس الإنسانية، إلخ . كتابه "منهج الفن الإسلامي" لميولي الأدبية وقتها هو ما عبر بي إلى أخيه الكاتب الإسلامي سيد قطب في كتابيه "النقد الأدبي، وكتب وشخصيات" وفي بلاغة القرآن "التصوير الفني، ومشاهد القيامة في القرآن"، ومنها إلى كتبه الفكرية المعروفة ككتابه الذي أودى به إلى حبل المشنقة "معالم في الطريق".

انتقلنا إلى مدرسة الإمام محمد بن علي السنوسي، في منتصف العام الدراسي، الذي أكمله معنا معلّم آخر، وظلت صلتي بمعلمي السابق تبادل التحية حتى انتقالي من مدرستي التي صار اسمها بعد انقلاب سبتمبر 1969 الجمهورية، إلى مدرسة علي حيدر الساعاتي. أذكر إني التقيته صدفة بمحطة الحافلة ديسمبر عام 1970 وقد أخرجنا لاستقبال الرئيس جمال عبد الناصر، في حديثه أبدى معلمي وجهة نظر حزب التحرير التي لم يستوعبها ذهني الغضّ في وقوع ليبيا كمصر في حلبة الصراع بين الاستعمارين القديم والأمريكي الإمبريالي الحديث.

عام 1971 جمعتني اهتمامات قراءة الكتب الأدبية بزميل فصل الأول ثانوي وصديقه الذي كان في الفصل الآخر وانضم للتو إلى حلقات حزب التحرير الإسلامي، في عطلة الصيف جلب إلى بيتنا رئيسه ليدعوني للانتماء للحزب. التعلّة التي اتخدتها دون ذلك بناء على الشكوك التي خالجتني بما كنت أسمعه من التشنيعات المتبادلة بينهم وبين الأخوان المسلمين، وماقرأته في كتاب غازي التوبة "الفكر الإسلامي المعاصر: دراسة و تقويم، 1969“ الذي تبنّوا رؤيته المهوّنة لمفكرين إسلاميين مرموقين كـ : مالك بن نبي الذي أعجبت بكتاباته. يأتي أبريل عام 1973وتتفجر ماسميت بالثورة الشعبية والثقافية التي رمت في السجن بالحزبية الإسلامية بتوجهيها جماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير الإسلامي والعلمانية بتوجهيها القومي البعثي واليساري .

حزب التحرير اعترفوا بأنهم تكتل حزبي، يهدف إلى تجنيد الشباب ،لإعادة الخلافة الإسلامية عن طريق منهج الانقلاب الإسلامي، بالشكل الذي قرّره مؤسسه تقي الدين النبهاني في كتابه "نظام الإسلام" أما الأخوان حسب ما أفاد من أتهم بتشكيل نواتهم الأولى عام 1967 فلم يكن لهم حزب في ليبيا ولاحتى جماعة بالمفهوم الذي طرحه مؤسسه المصري حسن البنا. ومع ذلك أرغم النظام الليبي من أسماهم بالمجموعة القيادية على الخروج في برنامج تلفزيوني أعلنوا فيه حل جماعتهم الوهمية. بل عُرضت عليهم وظائف عالية في جمعية الدعوة الإسلامية ، بل أرسل الأكاديمي الوحيد فيهم عمرو النامي إلى اليابان في مهمة دعوية، سرعان ماتركها ورجع إلى ليبيا لاستئناف تأثيره الفكري والاجتماعي المُحرج للنظام، الذي قابله بالسجن والإخفاء القسري.

تحت وطأة هذه النهاية الملتبسة للإخوان المسلمين الليبيين، تختفي معالمهم، وتنتهي مصداقيتهم بالمغايرة مع المجموعة القيادية لحزب التحرير التي رفضت التنازل عن مبدئها الحزبي، بعضهم مات شنقاُ وبعضهم تحت التعذيب والبقية ظلوا في السجن 27 عاماً حتى أخرجوا بداية الألفية الثانية.

مُلئ الفراغ الإسلاموي نهاية السبعينات من القرن الـ 20 بمجموعات قزمية بعضها متطرفة كالتكفير والهجرة، والمجموعات التي استقطبها الجهاد الأفغاني، وبعضها مسالم كمجموعات التبليغ ولكن من ساد الداخل الليبي هي الجماعات السلفية التي بدأت تنشر طقوس العبادة الحنبلية ـ الوهابية المضادة للتقاليد المالكية التي درج عليها الليبيون.

بعد أن طواهم النسيان يعود الأخوان المسلمون في يونيو 1998، حيث تم كما أفادت الأخبار اعتقال أكثر من 152 من قياداتهم على خلفية اكتشاف تنظيم الإخوان وفي عام 2002 أصدرت محكمة الشعب الخاصة التي شُكلت لإدانتهم حكمها بالسجن المؤبد على ثلاثة وسبعين وبالإعدام على المراقب العام للإخوان المسلمين في ليبيا ونائبه، الذي تابعت حواراً تلفزيونيا أجرته معه عام 2012على حلقات قناة ليبيا الحرة الأخوانية الميول، فلم يتبين من كلامه أي تنظيم لا أخوان ولاغيره.

بعد تخلي الجماعة الإسلاموية الليبية المقاتلة، التي تشكلت على هامش تنظيم القاعدة في أفغانستان، والجزائر، عن محاربة النظام الليبي، تم التفكير في إدماج عناصرها في تنظيم الأخوان المسلمين الليبين المصطنع ليكون ديكوراً لتوريث النظام لابن الدكتاتور الذي أسقطته الثورة الشعبية عام 2011 تحدث المواجهة بين الدكتاتور والثوار، تغيب السياسة ويحضر السلاح، بعد انتصار الثوار، وجدوا أن المصلحيات الإقليمية الخليجية المتنافسة فيما بينها والمتوافقة مع التدبير الأميركي البريطاني لثورات ماسمي بالربيع العربي كانت قد جهزت لهم جسماً إخوانيا هو الفرع الليبي من التنظيم الدولي للأخوان المسلمين كان قد تهيأ في برنامج ليبيا الغد للتوريث، فصار مهيئاً لليبيا مابعد الغد في سلسلة ماسُمي بثوراث الربيع العربي.