Atwasat

ما بعد وقف إطلاق النار

بشير زعبية الخميس 09 مايو 2019, 03:34 مساء
بشير زعبية

كما يحدث غالباً في مسارات الحروب، لن يستمر إطلاق النار إلى ما لا نهاية، وسنسمع أصواتاً تنادي بوقف إطلاق النار، وقد لا تُسمع هذه الأصوات أمام صخب أصوات القصف والانفجارات وسيارات الإسعاف والضجيج التعبوي المصاحب، لكن مع المراوحة الميدانية وتزايد تكلفة الحرب، ستتزايد تلك الأصوات، وتتحول إلى مطلب إنساني ودولي ملح، ومن ثم إلى قرار محدد ساري المفعول.

وإذ أدركُ  أنه لا مستحيل في السياسة، إلا أن هناك ما هو صعب، وصعب جداً، وأتحدث هنا عن مسألة العودة إلى طاولة الحوار أو المفاوضات، في حالة التوصل إلى اتفاق على وقف إطلاق النار، والصعب جداً الذي أقصده، هو أن تبدأ المفاوضات من حيث توقفت قبل اندلاع حرب العاصمة، أي بناء على تفاهمات أبوظبي أو ما اتفق عليه طرفا الأزمة الرئيسيان، رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، والقائد العام للجيش المشير خليفة حفتر، ومعه الأوراق التي كان أعد لها لتطرح أمام المشاركين في الملتقى الوطني بغدامس، لأن الأزمة أو الوضع في البلاد بعد هذه الحرب لن يكون دون شك هو ما قبلها، فالفجوة التي خلنا أنها ضاقت بين طرفي الأزمة الرئيسيين (السراج - حفتر) عادت لتتسع كما لم يحدث سابقاً، ومبدأ بناء الثقة بين الأطراف الذي كان وسيلة وهدفاً في مساعي حل الأزمة انهار تماماً، ومن كان من قبل شريكاً للآخر، أصبح الآن عدواً له، بل «مجرمًا ومطلوبًا القبض عليه»، انقلبت الطاولة وتبعثرت أوراق المبعوث الأممي غسان سلامة، الذي كان يسمع أسئلة مثل: «من سيحضر الملتقى وما جدول أعماله وما مخرجاته، وما ضمان تطبيقه»، فصار يسمع أسئلة أخرى بلون الدم والدخان، مثال: كم قتيلا، وجريحا، ونازحا جرّاء هذه الحرب؟ من سيقبل بمن؟ هل يمكن أن يجلس من تبادلوا إطلاق نيران المدافع والطائرات، على طاولة وضعت فوقها تفاهمات أبوظبي وأجندة غدامس، دون حساب نتائج الربح والخسارة على الأرض؟ هل الشركاء مازالوا شركاء؟ كيف سيكون مشهد ما بعد الحرب في العاصمة، بل في البلاد كلها ...إلخ»..

لذا أتصور أن الدعوات التي يطلقها سلامة والدول المؤثرة بشأن العودة إلى طاولة الحوار، لن تعني العودة إلى تفاهمات أبوظبي وما بني عليها لطرحه في ملتقى غدامس، قفزاً فوق كل ما يمكن أن تفرزه حرب العاصمة من نتائج، وأهمها تغير تموضعات أصحاب القوة على الأرض (المجموعات المسلحة) واستحقاقاتهم المبنية على مشاركتهم الميدانية في الحرب، وإلى جانبهم القوى السياسية، والمناطقية الأخرى التي استردت مواقعها في صدارة الواجهة السياسية والإعلامية والتعبوية خلال الحرب، بمعنى أن الرئاسي، أو السراج تحديداً، لن يكون وحده على الكرسي المقابل للطرف الآخر في أي مفاوضات قادمة، فهناك من سيشاركه الكرسي بشرعية دوره في الحرب، ولن يتكرر الآن سيناريو مماثل لما حدث في أبوظبي، وعلى الجانب الآخر لا أعتقد أن المشير حفتر سيقبل به من الطرف المقابل شريكاً حاملاً وحدَه ورقة المنطقة الشرقية في المفاوضات المحتملة، زد على ذلك يمكن القول إن ما عرض عليه في أبوظبي سيصبح بعد الحرب منتهي الصلاحية، وسيكون المطروح حزمة أخرى مشتقة من الاستحقاقات التي ستحددها نتيجة الحرب، وستطرح على طاولة لن يجلس إليها السراج وحفتر وحدهما هذه المرة، ثم سيحدد بناء على ذلك شكل ملتقى غدامس، وما الذي يمكن أن يكون صالحاً لطرحه على طاولة الملتقى، إن عقد.