Atwasat

"محمد نجم".. والنغم الذي مات في الخاطر

أحلام المهدي الأربعاء 08 مايو 2019, 01:13 مساء
أحلام المهدي

عندما نغني لوطن، ترافقنا الدنيا بكل النوتات والألحان التي تعرفها ويصبح للصوت ألف صدى، وعندما نغني لجلاد تموت الأغنيات في المهد، وإذا عاشت فحياتها رهن بحياة صاحبها ومجده، تعيش معه تكبر معه تخفت معه وترحل معه، عندما يولد الوطن في أغنية فإن كل تفاصيلنا تدور في فلكها.

الوطن تراب وماء وجار طيب وعجوز حكيمة وطفل مشاكس وفتاة جميلة، الوطن باب ونافذة وشرفة وحجر ألفنا وجوده في الطريق لأنه لا يؤذينا، الوطن مطب يرتفع أكثر من اللازم ليهشم رتابة الطريق وطابور لا ينتهي إلى الشباك الوحيد لكوشة، من أراد أن يحبه فليفعل ومن أراد أن يمقته ليفعل.

الفنان الليبي "محمد نجم" أراد أن يسمو بهذا الحب إلى حيث يستحق، لم ينتم يوما إلى سرب المحلقين في فلك الحكام، ولم يجعل صوته صفحة يكتب فيها الجلاد ما يشاء من رسائل لمريديه ولأعدائه، في نفس الفترة الزمنية التي ولدت فيها أغنيته "ليبيا يا نغما في خاطري" رائعة الشاعر مصطفى الهنقاري رافقتها "بلد الطيوب" وردة علي صدقي عبدالقادر حتى إن البعض يعتبرهما توأمتين، لكن الظروف عاندت "نجم" الذي أطفأته رياح الثورة الخضراء لعقود. 

لم يكن مسموحا لهذا العاشق أن يدلق الشعر على أعتاب حبيبته فقط بل كان لزاما عليه أن يقدم قصائد الولاء والطاعة لمن كان الأمر بيده وقتها، ليدفع الثمن غاليا من عمره ومن موهبته التي يجهلها الكثيرون ممن يشاركونه هذا الحب الكبير، هو مخرج حاز ثقة قامات عربية سامقة مثل مصطفى العقاد الذي أوكل له مهمة مساعد المخرج في فيلم الرسالة، ومحمد الموجي الذي لحن له أغنية "ما استغناش عنك" قبل أن تتوتر وتنقطع العلاقات الليبية المصرية ما منح الأغنية للمطربة نجاة وحرمه هذا الصيد الثمين.

كل الظروف تآمرت على "نجم" الذي سطع مطربا وممثلا ومخرجا وإعلاميا، ليجد نفسه بقدرة قادر بعيدا عن سمائه الشاسعة مكبلا بقوانين السمع والطاعة، ما جعل كل الأنغام تتكسر في خاطر هذا المبدع الجميل لتلتئم من جديد بأصوات كثيرة في حضرة الحاكم وزبانيته.

كان الظهور الأول له بعد تغييبه الطويل عن الساحة الفنية الليبية استثنائيا في الدورة الأولى لمهرجان الأسطى للفكر والإبداع 2009، على ذات المسرح بفارق زمني يزيد عن الثلاثة عقود، بين "سينما رويال" و"بيت درنة الثقافي" ضاعت سنوات من العطاء في عمر الإبداع، حرقة ترجمتها دموع نجم التي انهمرت غزيرة وتصفيق طويل وحار من جمهور عرف كيف يستبدل هذه الحرقة ببهجة اللقاء والعودة إلى جادة الشغف.

تُكتب القصائد والأغنيات للحبيبات والأمهات والأوطان، لهؤلاء تتزين الكلمات وتتألق الألحان والصور، أما الطغاة فهم خالدون بأفعالهم وأقوالهم بعيدا عن مكامن الجمال في هذا العالم، ستبقى ليبيا نغما في الخاطر وسيبقى محمد نجم اسما ساطعا على تخوم الذاكرة.