Atwasat

هدوء مفاجئ على جبهة «البريكست»

جمعة بوكليب الإثنين 06 مايو 2019, 12:12 مساء
جمعة بوكليب

أخيرًا، حُقَّ لنا أن نستريح، ولو لفترة قصيرة، من الضجيج الإعلامي حول «البريكست». شكرًا لوزير دفاع، الحكومة البريطانية، المطرود «جافين ويليامسون».

يبدو أن رئيسة الحكومة، وأعضاء الحكومة، وقيادات حزب المحافظين، والمطالبون بالخروج من الاتحاد الأوروبي ومعارضوهم اتفقوا جميعًا، للمرّة الأولى، حول شيء محدد مع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، ومع المواطنين، في الحاجة لفترة راحة، ولو قصيرة، تبعدهم جميعًا، عن صداع يومي دائم سببه «البريكست».

شكرًا، مرة ثانية، لوزير الدفاع المقال من منصبه، جافين ويليامسون، الذي تطوع لهذه المهمة، بتسريب معلومة من آخر اجتماع عقده مجلس الأمن القومي للصحافة، تتعلق بموافقة رئيسة الحكومة السيدة تيريزا ماي على إشراك شركة «هواوي» الصينية في عقود الشبكة الخامسة للاتصالات ببريطانيا، رغمًا عن معارضة وزراء الدفاع والخارجية والداخلية، ورؤساء الأجهزة الأمنية السرية، ورغمًا كذلك عن اعتراضات الولايات المتحدة الأمريكية.

وبالتأكيد، فنحن، هنا، لا علاقة لنا بمدى صحة قيام السيد ويليامسون بتسريب الخبر من عدمه، فذلك «تسريب» سياسي آخر، له علاقة بالصراع الدائر بين الوزراء حول من الأحق منهم- كلٌ من وجهة نظره الخاصة- بتولي رئاسة الحكومة، بعد تنحي السيدة ماي قريبًا. نحن، في هذه السطور، يهمنا أننا ، بين يوم وليلة، فوجئنا بغياب «البريكست» من نشرات الأخبار، وكأنه «فص ملح وذاب»، وكأنه كان ولم يكن، وكأنه لم يكن مفردة مكررة في سطور حياتنا، وواقعنا، منذ ثلاث سنوات، تجعل الدم يتصاعد غضبًا لدى سماعها، من كثرة اجترارها.

كان الجميع، الحكومة والمعارضة، المؤيدون للبقاء والمعارضون، والناس، كغريق، في حاجة إلى من يمد له يد المساعدة والعون لينشله من هول ما ينتظره من مصير مؤلم. وكانت الانتخابات المحلية، وانتخابات البرلمان الأوروبي في الطريق، لكنها بلا جدوى، ونتائجها معروفة، لارتباطها الوطيد بمعركة البريكست. لذلك كان الجميع في حاجة ماسة إلى معجزة. وبالفعل، استجاب الله لهم جميعا، عبر وزير شاب، وطموح، اسمه جافين ويليامسون، كان، قبل دخوله المعترك السياسي، وحصوله على مقعد في البرلمان، يعمل بائعًا لأجهزة التدفئة، وحصل على لقب أفضل بائع، على المستوى القومي، مرتين، ثم ارتقى قفزًا درجات سلم المجد السياسي، وصار رئيسًا لمكتب الانضباط الحزبي في البرلمان، ثم منح منصب وزير دفاع، مكافأة له من رئيسة الحكومة على وقوفه في صفها، في معركة خلافة رئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون. فهوى ساقطًا في هاوية، وبأسرع مما ارتقى.

وصار حديث نشرات الأخبار، والمعلقين السياسيين، والصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي، والإذاعات، على اعتبار أن ما حدث دون سابقة. وزير الدفاع الأسبق استقال، هو الآخر، من المنصب، بعد أن أدعت صحفية شابة أنه تحرش بها. ومن قبل هناك حكاية وزير الدفاع، في حكومة هارولد ويلسون العمالية، في الستينيات من القرن الماضي، الذي فضل التمرغ في فراش ممثلة مشهورة. حبل الحكايات غير المسلية، في تلك الوزارة، يبدو طويلًا، نسبيًا، وربما ملفتًا للاهتمام.

شكرًا، مرة ثالثة، للوزير المطاح به، السيد جافين ويليامسون، فقد طفح الكيل بالجميع، وكان عليه أن يتطوع، مضحّيًا بنفسه وبمستقبله السياسي، من أجل انقاذ الجميع. وبضربة، عبقرية، واحدة، جعل مفردة كريهة مثل «بريكست» تختفي من أمام أنظارنا، ومن أسماعنا، بعد أن قتلتنا غمًا وكمدًا، طيلة سنوات ثلاث. فتنفس سكان قرية «ويستمنستر» الصعداء، وتهللت ملامح وجوههم بشرًا وفرحًا، غير مبالين ما إذا كان السيد ويليامسون قد فعل ما زُعم إنه فعل وأنكره، أو أن خصومه ألقوا به، وبقوة، في الطريق، أمام أول حافلة مسرعة، ليتخلصوا من شيطان لم يعد ترجى منه فائدة. وحُق لرئيسة الوزراء السيدة ماي، أن تعود في آخر الليل، إلى سريرها، وتنام مطمئنة، هانئة، لعلمها أنها سوف تستيقظ صباح اليوم التالي، ولا تجد من يعكر مزاجها «بالبريكست»، وتعقيداته، ومتاهاته، وصراعاته. وآن للمواطنين، حاليًا، على الأقل، الاستمتاع بشيء من هدوء يستحقونه، واشتقوا إليه، كجرعة ماء بارد في صحراء جرداء، قائظة.

في فترة التسعينيات من القرن الماضي، قام مجموعة من المنفيين الليبيين بفتح مشروع تجاري، في منطقة «ايلينج برودوي» بلندن. وكان بجوار محلهم الجديد، محل تجاري يملكه رجل من أصول هندية. وحدث في الأيام الأولى أن التقى التاجر الهندي بأحد الشركاء، في المشروع التجاري الليبي، وخلال الحديث سأل الهندي جاره الليبي إن كان هو المالك للمشروع. فرد الليبي قائلًا بأنه واحد من شركاء ثلاثة. قال التاجر الهندي، وهو يغادره، ليس المهم أن تبدأ مشروعًا تجاريًا، المهم هو قدرتك على الاستمرار.

يبدو أن ما قاله التاجر الهندي يتخطى عالم التجارة، ويطال عالم السياسة. بمعنى ليس المهم، في السياسة، أن تبرز على سطح الأحداث سريعًا، وترتقي المناصب قفزًا، لكن المهم هو القدرة على الصمود والاستمرار، في واقع لا مكان فيه إلا لمن تعلموا العيش في أوكار الأفاعي، وخبروا فن تبادل الأنخاب مع التماسيح، قبل التخلص منهم، دون أن يتركوا وراءهم أثرًا.