Atwasat

على من تقرأ زبورك يا....؟

جمعة بوكليب الثلاثاء 30 أبريل 2019, 01:50 مساء
جمعة بوكليب

قرع طبول الحرب في طرابلس، هذه المرّة، يبدو وكأنه لن يتوقف. ويبدو، أيضاً، أن هذه الحرب، في الطريق لالتهام ما تبقى، وفي لقمة واحدة، من جهود تنشد سلاماً مراوغاً. ومن المحتمل أن تؤدي بالبلاد والعباد إلى هاوية جحيم لا عودة منه.

هذه المرّة، حين قرعت الطبول، ودَوَى دَوِيُّ القذائف، كان الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، بشحمه، ولحمه، وقلقه، موجوداً في طرابلس، تهيئة للمؤتمر الجامع، الذي كان سيعقد في منتصف أبريل، بمدينة غدامس، بغرض الاتفاق على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، تضع نهاية فعلية لكل الكيانات غير الشرعية، ومنتهية الصلاحية.

هذه المرّة، أيضاً، لن تكون هذه المعركة، حتى وإن طالت أكثر، آخر المعارك، مهما تفاءل المتفائلون، لأنه، عملياً، ليس بمقدور أي طرف حسمها عسكرياً. وبالتالي، فلنستعد، جميعا، إلى رؤية مزيد من الدم، والقتل، والدمار، وسوء الأحوال المعيشية.

عودة محزنة إلى المربع الأول. حيث الجميع يتربص بالجميع. وحيث 6 ملايين مواطن ليبي، بمثابة رهائن بين أيادي احترفت القتل والنهب، ولا تتورع عن فعل أي شيء في سبيل مصالحها الشخصية، واستمرار خنقها لمستقبل بلاد كتب عليها أن تعاني أكثر من أربعة عقود طويلة من الاستبداد، والقهر، والحرمان في سبيل تحقيق أمجاد وهمية لمستبدين أولى بهم مصحات الأمراض النفسية.

مَن مِن المراقبين والمحللين السياسيين يحظى ببصيرة، ورؤية، قادرة على هتك حجب الغيوم، ليقدم لنا قراءة لوضعية سياسية زئبقية، كالتي تعيشها ليبيا، منذ ثمانية أعوام، لم تشهد فيها سوى احتراب أخوة - أعداء، ولم تر فيها غير خراب جائع، ينشب أظافره وأسنانه في كل شيء ولا يعرف شبعاً، وفساد ملوث بالجشع كأخطبوط تصل أطرافه إلى كل مؤسسة؟

الغريب، أن يحدث كل ذلك ليس على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي فقط، بل وبتورط من العديد من الدول: عربية، وأفريقية، وإقليمية، وأوروبية، عبر تبنّي كل دولة طرفاً من أطراف النزاع، ومده بالمال والسلاح والدعم الإعلامي والسياسي. وتحويل ليبيا إلى ساحة تنافس وصراع بينها، بأيادٍ ليبية مأجورة.

كنّا استبشرنا خيراً، حين التقى، على غير توقع، خلال المدة الماضية، في أبوظبي، رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج بالمشير خليفة حفتر، برعاية من المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة غسان سلامة. وكنّا نعقد الآمال على انعقاد مؤتمر جامع، يضمّ شخصيات ليبية، لم تتورط في مسلسل الاحتراب، والقتل والنهب. وكنّا، رغم كل المخاوف، نحرصُ  على تتبع رؤية نقطة ضوء، بدت لنا أخيراً، في قعر نفق مظلم. لكن أبت الرياحُ إلاّ أن تهبّ بما لا يشتهي قارب نجاتنا، وحلمنا بالرسو على بر آمن ومستقر. وها نحن نشهد، مرة أخرى، انفلات الجنون، وتحوّل شوارع وطرقات مدننا إلى ساحات لأزيز الرصاص، ودوي القذائف، وتحوّل 6 ملايين مواطن ليبي إلى ما يشبه لاجئين في بلادهم، مطاردين في عيشهم، وفي أمن بيوتهم، وفي حيواتهم، مهددين بموت يترصدهم، ويتعقبهم في كل حنيّة.

الليبيون، من عباد الله، أمثالي، ممن وجدوا أنفسهم حطباً، وقوداً لنار حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل، بين أطراف تتصارع على نهب السلطة والمال والنفوذ، صاروا كلما سمعوا بجهود خيّرة تنشد السلام، والاستقرار، وتسعى لتحقيقه، يضعون أياديهم على صدورهم خوفاً، لأنهم تعلموا من التجربة، أنه كلما بدأت محاولة لنزع فتيل الصراع، ووضع أسس لسلم أهلي، تنشب حرب مهلكة، الغرض منها هو الحفاظ على الوضعية القائمة. لأن الأطراف المتنازعة تدرك أن السلام يشكل أكبر تهديد لمصالحها. هذه الحرب الأخيرة، لا تختلف عن سابقاتها. الغرض منها تدمير كل ما بنته الأمم المتحدة من جهود، لعقد مؤتمر جامع، لا مكان فيه لأي من الكيانات الموجودة، بغرض إنهاء الوضع الحالي، والبدء في محاولة خلق توافق على عقد اجتماعي جديد، يضع البلاد على طريق مختلف، على أمل أن يخلصها مما تعانيه من فوضى ونهب، ويقودها إلى ما تشتهيه من استقرار يليق بها، وسلام تستحقه.