Atwasat

غالب عند حق!

محمد عقيلة العمامي الإثنين 29 أبريل 2019, 11:29 صباحا
محمد عقيلة العمامي

قرأت موضوعا، بمجلة الدوحة، شدني عن لقاءات كتاب ومفكرين كبار وصفت أنها مستحيلة، من بينها لقاء عبر رسالتين متبادلتين ما بين مفكر الشيوعية الألماني الاقتصادي (كارل ماركس) والشاعر الهندي (ميرزا غالب 1797 -1869). كاتبة المقال مذيعة في صوت أمريكا اسمها عابدة ربليه، وجدت بالصدفة رسالة رد الشاعر على رسالة المفكر، فبحثت طويلا إلى أن وجدت رسالة المفكر.

وجدت في الرسالتين قناعة السياسي، وقناعة الأديب. يقول ماركس في رسالته، التي استهلها بإعجابه ببيتين للشاعر، ولعله رأى فيه صوتا يعينه على تسويق أفكاره ونشرها في بلد كبير كالهند، ومن بعد توصيف هذا الإعجاب قال له : ".. أرجوك أن تكتب، في الطبعة الآتية من شعرك هذا قصيدة تخاطب فيها العمال الكادحين. لأن الإقطاعيين والحكام والقيادات الدينية يسرقون ثمار جهود العمال وهم يقودونهم إلى عالم وهمي.. وتُرحب- أيضا- بسطور حول الهتاف: "أيها العمال، اتحدوا" وتتواصل رسالته محاولا توظيفه : ".. فليكن الهدف الوحيد وراء شعرك تشحين الجماهير بوقود الحقائق، حتى يتقدموا للقيام بالثورة ضد النظام القائم... " ويرفق له نسخة من البيان الشيوعي، واعدا بإرسال المزيد من الأدبيات الثورية!.

لم يكن الشاعر (ميرزا) بشهرة كارل ماركس العالمية في ذلك الوقت، فالشاعر لم تكن شهرته العالمية بقدر شهرته في الهند، ولم يكن بشهرة شاعر الهند الفيلسوف الكبير محمد إقبال، وإن كان شعره تميز، شأن شعراء الهند، بالنفحات الفلسفية والصوفية. تغنى بشعره كبار المطربين في الهند، يقول في واحدة من قصائده، التي ترجمت إلى العربية:

"... ما من مفرّ من الحبّ.. تهديد دائم.
إن لم تعذب بالهوى
هناك عذاب الحياة!
لمن سأروي آلام لياليّ الحزينة؟
ما كنت مقيما في الردى،
لو جاء لمرّة
متُ، وخُزيتُ، وأصبحت كالغريق.. لا جنازة، وما من قبر منصوب ".

في 9/ 9/ 1867 جاء رد الشاعر على المفكر مضحكا، ومخيبا لآماله:
"أفيدكم باستلام الرسالة المرفقة بها نسخة من (البيان الشيوعي). لا أدرى كيف أرد عليك. أولا، إنه من الصعب أن أفهم مقولاتك. ثانيا، إنني تعبان جدا حتى لا أستطيع التحدث، بل حتى الكتابة. اليوم كتبت رسالة إلى أحد أصدقائي، لذا قررت الكتابة إليك، أيضا.
رأيك في (فرهاد) ناتج من سوء فهمك، فهو ليس عاملا كما تعتقد أنت. هو عاشق لامرأة. إنني لا أوافق على تصوره عن الحب. هو جٌنّ بجنون العشق، همه ينصبّ، دائما على الانتحار.

ثم إنك عن أية ثورة تتكلم؟ تلك حكاية قد مضت، قبل عشر سنوات. أليس البريطانيون ،الآن، في أوج العلو والاستكبار؟ الناس جميعا مشغولون في مدحهم. الولاء لملك الهند، إن انضباط النظام، والرفاه.. باتت كلها حكايات زمن انقضى. وأناقة تراث العلائق بين الشيوخ والمريدين قد ذهبت- أيضا- في مهب الريح، وتلاشت. أين ذهب أولئك الكرام؟

إن لم تصدقني فتعال إلى دلهي، لترى مصير الأشياء هذا بأم عينيك.. ليس هذا حكاية دلهي وحدها، بل رونق مدينة (لكهنو) أيضا، قد بات (خبركان)! فأية ثورة تخبر عنها، أيها الصديق، والحال هكذا؟

في معرض الكلام عن الشعر، وجدتك تكتب عن تغيّرات بدأت تظهر في ملامح الشعر. عليك أن تفهم جيدا أن الشعر لا يُصنع إنما هي تتفجر – طوعا – من مصادرها الإبداعية. حين تنطلق الأفكار من ينابيعها، تتخذ أشكالا تتطابق معها؛ إما غزلا أو رباعيات. أعتقد أن (غالب) لا مثيل له في عالم الشعر. هذا إيماني، وقد ذهب الملوك جميعا. أتوصيني بترك صحبة (النوابين) من الطبفة المخملية، الذين يهتمون برعايتي؟ ما المشكلة في مدحهم، في بعض سطور؟

ماذا تعني بالفلسفة؟ وما فائدتها في الحياة؟ يا صديقي العزيز، عن أىّ أفكار حديثة تتحدث؟ إن كان لديك اهتمام بهذه المواضيع فلك أن تقرأ كتب الإلهيات الهندوسية، ونظرية وحدة الوجود. وقم بما في وسعك في هذا الاتجاه ، وانسحب من أفكار مبعثرة لا طائل تحتها، وأنت إنجليزي*، ولذا اعمل لي معروفا؛ اكتب من فضلك رسالة إلى نائب الحكومة البريطانية في الهند، تشفع فيها لإعادة إصدار أمر بمنحي معاشي التقاعدي المتوقف. اسمح لي أن أختتم، لأنني متعب.

مودتي. غالب
لماذا شدتني هذه الرسالة؟ ولماذا فكرت، فيما كتب الشاعر تذكرت نفسي، وكذلك أصدقاء يحلمون بمن يكتب عنهم إلى "صاحب ليبيا" ويرجوه إصدار أمر بمنحهم ومنحي معاشي التقاعدي المتوقف، أعني الذي لم يمنح لي يوما، ولا لوالدي ولا لأحد من أبنائي! والتفت بعد انتهائي من رسالة الشاعر (ميرزا غالب) نحو يساري وقلت لكارل ماركس: "غالب عند حق!".

* واضح أن غالب لا يعرف أن ماركس ألماني وليس إنجليزيا، لأن الرسالة جاءته من بريطانيا وباللغة الإنجليزية.