Atwasat

ليس موقفا وسطيا

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 28 أبريل 2019, 11:49 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

عندما أغارت الطائرات الأمريكية والبريطانية، أبريل 1986، على مدينتي طرابلس وبنغازي كنا سجناء رأي حينها. قسم من السجناء كان مؤيدا للعدوان وكان يتوقع أن يسفر عن خلاصه. وقسم آخر، أنا منه، كان ضد العدوان وضد معمر القذافي معا، ولا يشرفه أن ينقذه المعتدون الإمبرياليون.

وبعد احتلال العراق، بقيادة صدام حسين، الكويت سنة 1990، وما نتج عنه من عدوان جماعي على العراق، بعد خروجنا من السجن، كنت ضد تهور وحمق صدام حسين في عدوانه هذا، وفي نفس الوقت ضد العدوان متعدد الأطراف على العراق.

وكذلك كان الشأن أثناء الغزو الأمريكي للعراق 2003سنة. كنت ضد المستبد الذي أعطى الذريعة للغريزة العدوانية الأمريكية للإجهاز على ما بقي قائما من قوة العراق المادية والمعنوية، وضد القوة الأمريكية المترصدة، بالدول العربية تحديدا، مستسنحة الفرص لتدمير ترسانات الأسلحة في هذه الدول، بالذات تلك المحيطة بالكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة.

الآن، بخصوص الاقتتال المستعر حاليا في الغرب الليبي حول طرابلس العاصمة، أتخذ موقفا مطابقا لموقفي إزاء الأحداث المشار إليها أعلاه.

فأنا ضد المليشيات من حيث المبدأ، في أي مكان من الوطن، مهما كانت الراية التي تحملها وأيا كان ما منحها إياه الأمر الواقع من رسوخ وقبول، ومهما أدت من إيجابيات في حفظ الأمن العام. موقفي مع تكوين مؤسسة عسكرية محترفة (بالمعنى المهني والمؤسسي) تتبع القيادة السياسية القائمة في الدولة (وليس العكس) تنحصر مهمتها في الدفاع عن الوطن ضد الاعتداءات الخارجية والمساهمة داخل الوطن أثناء الكوارث الطبيعية، ومؤسسة شرطة مؤهلة ومجهزة لصيانة الأمن العام داخل الوطن. في ظل قضاء مستقل ونزيه.

لكنني أيضا ضد "جيش" لا يتقيد بمواصفات المؤسسة العسكرية ويستعين بمليشيات متطرفة بأسلوبها الخاص ويرتكب بعض قادته مذابح شبيهة بما تقوم به داعش. أضف إلى ذلك ما يبدو فائق الوضوح من تكريس مبدأ "الزعيم الأوحد" الذي تنتشر صوره على لافتات كبيرة في المناطق الواقعة ضمن نفوذه. إن الطموح إلى السلطة واعتلاء كرسي الحكم بالغ الجلاء ولا يحتاج إلى كثير ذكاء لتبينه.

لا بد أن نأخذ في الحسبان أن تنازل العسكريين عن السلطة، في الوقت الذي يمكنهم فيه الاحتفاظ بها، حالات أكثر من نادرة في التاريخ.

هذا ليس موقفا وسطيا يتهرب من اتخاذ موقف. وإنما هو موقف ناقد يتشبث، قدر المستطاع، بالموضوعية التي هي موقف أخلاقي يتعلق بضمير الفرد، قبل أن تكون موقفا معرفيا.